واشنطن تخلّت عن هدفها اسقاط الرئيس بشار الأسد. هي باختصار خلاصة رسالة أميركية نُقلت، مباشرة أو عبر وسطاء، إلى الأطراف المعنية في المنطقة ومنها سوريا، حيث ابلغت السفارة الاميركية الجهات المعنية بهذا الموقف، على ما تفيد مصادر قريبة من دمشق ومعلومات متقاطعة من أكثر من عاصمة إقليمية، أوضحت أن «الأميركيين يعملون على إعادة العلاقات مع الأسد، ولعل هذا ما يفسر عودة السفير الأميركي إلى دمشق الاسبوع الماضي». وبالتالي، تضيف المعلومات نفسها، إن المنطقة على وشك الدخول في مرحلة جديدة من «تهدئة اللعب» على أكثر من مستوى بفعل «المأزق» الذي وضعت نفسها فيه الإدارة الأميركية، ومعها حلفاءها من دول الاعتدال العربي.
مصادر دبلوماسية عربية ترى أن عوامل متعددة تضافرت للوصول إلى هذه النتيجة، في مقدمها «صمود الرئيس الأسد ونظامه في وجه أعتى حملة تستهدفهما» مذ وصل الحكم في العام 2000. هناك أيضاً عجز ثلاثي أحبط المعسكر الأميركي التركي العربي: الأول، عجز عن تأليب ما يكفي من الشعب السوري لإسقاط النظام، رغم تجنيد الإعلام العربي لهذه الغاية ورغم كميات الأموال والسلاح التي وزعت في سوريا. والثاني، عجز عن اللجوء إلى الخيار العسكري بوجود إيران وروسيا، ثبتته تطورات الأسابيع الماضية وبينها المناورات العسكرية السورية وإسقاط «الشبح» الأميركية التجسسية في إيران. أما الثالث فهو العجز عن فرض العقوبات التي اتخذتها جامعة الدول العربية، والذي حسمته زيارة أمينها العام نبيل العربي الاسبوع الماضي إلى سوريا. «هذا من حيث المعطيات العملانية»، تضيف المصادر، «الأهم أن واشنطن اقتنعت بأن حلفاء دمشق في لبنان والعراق، البلدين الأساسيين لضمان فرض الحصار، هم الطرف المسيطر في هذين البلدين، وأنهم حلفاء استراتيجيون وليسوا تكتيكيين، لا يمكن تغيير مواقفهم لا بعصا ولا بجزرة، ما معناه أن لا صفقات على حساب دمشق ولا خناجر تطعنها في ظهرها». وتختم بالقول إن «التحالف ضد سوريا وصل إلى ذروته. ماذا يمكن أن يفعلوا بعد؟ حتى الرهان على حرب أهلية بات يبدو خاسراً، ومعه الرهان على استمالة القواعد الاقتصادية الأساسية المؤيدة للأسد، والرهان على الضغط الإعلامي الذي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. ربما كان الخطأ في تصوير المرونة السورية حيال العرب على أنها ضعف، وهذا هو الثمن».
المعلومات الواردة من بغداد تؤكد أن العربي غادرها بـ«خفّي حنين بعدما سمع كلاماً قاسياً من الأطراف كلها، خاصة في خلال الاجتماع الذي عقده مع رؤساء الكتل البرلمانية». مصادر شاركت في هذا الاجتماع تقول إن «العربي افتتح حديثه بطلب خلاصته انتقاد لموقف العراق من القرارات العربية حيال سوريا ومطالبة بالالتزام بالاجماع العربي، أي بصيغة أخرى: المشاركة في الحصار الذي تسعى الجامعة إلى أن تفرضه على دمشق». وتضيف أن «مواقف الكتل كانت متطابقة، وقد عبر عنه بشكل رئيسي (رئيس الوزراء السابق ابراهيم) الجعفري». ويفيد هذا الموقف بأنه «إذا أردتم أن تكون الجامعة قوية ولها هيبتها وقادرة على أن تمون علينا، فعليها أن تتوقف على أن تكون لطرف عربي دون آخر. ما لك نراك تنطق بلسان (رئيس الوزراء القطري الشيخ) حمد. تريدون حراكاً لمصلحة بعض العرب، هذا لا يمكننا المشاركة به». ويضيف «هل تستطيع أن توضح لنا لماذا هللتم للحراك الشعبي من تونس إلى مصر فليبيا واليمن، ولما وصلتم إلى البحرين خرست الألسن والأفواه. تحوّل المحتجّون البحرينيون إلى شيعة وإيرانيين. لماذا الازدواجية في المعايير؟ تتحدث اليوم عن سوريا، نعم نحن مع الحوار الداخلي في سوريا وسندعمه بكل السبل. أما أن تطلب مشاركتنا في الحصار فهذا ضد الشعب السوري وضد الشعب العراقي واستحالة أن ندخل هذه اللعبة. بل أكثر من ذلك، تريد منا محاصرة الدولة التي رعتنا واحتضنتنا يوم كنا معارضين لصدام حسين. وبالنسبة إلى قرارات الجامعة، عندما تسري على الجميع، عندها أهلاً وسهلاً بك في بغداد لمناقشتها وتطبيقها». وتقول المصادر إن «هذا المنطق تحدث فيه جميع الحضور، وفي مقدمتهم حسن علوي ويونادم كنا وحتى اسامة النجيفي».
وفي اجتماع العربي مع المالكي، أكد له هذا الأخير الموقف نفسه الذي عبرت عنه الكتل، مشدداً على أن «الجامعة العربية أصبحت طرفاً في الأزمة السورية وليست حكماً، وبالتالي فقدت تأثيرها. دعونا، نحن جاهزون للتدخل، ولكن على قاعدة أن الحل الوحيد بالحوار لا بالحصار. نحن جاهزون لأن نقوم بوساطة بين النظام وبين المعارضة في سوريا، ولكن شرط رفع العقوبات المفروضة على هذا البلد أولاً». وكان المرجع علي السيستاني قد رفض استقبال العربي الذي طلب موعداً لزيارته. وتقول المصادر إن «هذا الرفض نابع من واقع أن سماحة السيد لا يستقبل سياسيين في الوقت الراهن».
المصادر نفسها، في توضيحها للموقف العراقي، ترى أن «العراقيين، وخاصة الشيعة بينهم، يعتقدون أنهم المستهدفون مما يجري في سوريا. يرون أن الدور التالي عليهم. أنه بعد إسقاط الأسد وإقامة نظام سني إخواني موالٍ للغرب وحليف للسعودية، ستكون الخطوة التالية استعادة العراق من محور الممانعة». وتضيف أن «العراق وازن جداً في الأزمة السورية. فإضافة إلى وزنه الاقتصادي وقدرته على استيعاب كل الصادرات السورية، العراق يتحكم بخط التجارة التركي والأردني إذا أريد تجنب الخط السوري»، مشيرة إلى أن «الأردن تمت تسوية وضعه، خاصة بعدما أبلغ أن حاجته من النفط التي يأخذها من العراق بأسعار رمزية سيدفع ثمنها كاملاً إذا شارك في الحصار على سوريا. أما تركيا، فالعراقيون مصممون على توجيه صفعة قوية إليها. الاتجاه قوي لرفض التصديق على الاتفاقية الاقتصادية العراقية التركية في البرلمان العراقي». وتتابع أن «الاتصالات السورية العراقية مفتوحة على مصراعيها، والحركة نشطة بين الطرفين، والتنسيق على أعلى المستويات». وتتوقع هذه المصادر أن «تحتل سوريا حيزاً كبيراً من زيارة المالكي إلى واشنطن ولقائه (الرئيس باراك) أوباما، خصوصاً أن بغداد أبلغت الأميركيين رفضها لطلبات جوزف بايدن».