دمشق | تستقبلك سوريا بكلمتين: الحرية والفتنة. على طول الطريق المؤدية الى الشام لا يقع نظرك سوى على لوحات إعلانية كبيرة، تعرّف بالحرية وتحذّر من الفتنة. كلمة «الحريّة» باللون الأزرق ترافقك أينما التفتّ: على جانبي الطريق، في كل ساحات دمشق، على صفحات الجرائد اليومية، في المجلات الاقتصادية والشبابية والنسائية... «الحرية الزرقاء» تلك تتبعها جمل بسيطة وقصيرة تقول «الحرية لا تبدأ بالقتل والتخريب، تبدأ بالتفاهم» و«الحرية لا تبدأ بالفوضى، تبدأ بالمسؤولية» و«لا تبدأ بالجهل، تبدأ بالوعي»...«الفتنة» كلمة أخرى مطبوعة على خلفيّة العلم السوري، مع تحذير واضح من رموزها وضرورة الوقوف في وجهها. «الفتنة» تلازمك أيضاً في إعلانات منتشرة على الطرق وعلى واجهات بعض المحالّ وعلى برادات المشروبات على الأرصفة.
تقرر أن تغمض عينيك لبرهة... فيدور الراديو. في سوريا أكثر من ١٠ إذاعات بين خاصة ورسمية، والراديو في هذه الأيام لا ينطق سوى بحبّ سوريا وعزّتها وشموخ شعبها: أغانٍ جديدة ـــــ لا أناشيد ـــــ كتبت خصيصاً للمرحلة تلعلع من أجهزة معظم سيارات الأجرة، تقطعها بين الحين والآخر اتصالات من مواطنين يريدون تأكيد «ولائهم لسوريا وثقتهم برئيسها ونبذهم للمخربين».
تترجل من السيارة وتدخل الى مقهى: شاشة «بلازما» كبيرة معلّقة والصورة هي لقناة «سورية» الرسمية التي تبث مشاهد طبيعية وأثرية من البلد على وقع أغاني فيروز.
أجواء بروباغندية تعيشها لأيام مع استعادة لكل الروايات «الأورويلية» (نسبة إلى جورج أورويل)، ولكل ما قرأته عن السياسات الإعلامية السوفياتية في خضمّ الحرب الباردة.
جولات يومية في شوارع دمشق، والحديث مع أهلها من دون كاميرات أو صفة صحافية قد يوضح الكثير عن الصورة التي يريد الدمشقيون أن يكوّنوها عن أحداث بلادهم، وعن المشاهد التي يرونها على الشاشات العالمية وهي تحدث «تحت شبابيكهم». «وجع رأس»، هكذا يصف بعض المواطنين متابعة أخبار بلادهم على التلفزيونات، «بتضيعي إذا بدّك تتابعيهم كلهم»، يقولون متأففين. ويضيفون «لذا نشاهد محطات البلد أو نسمع إذاعاته فقط... أريَح بال».
«كيف يرتاح البال ونحن لا نعرف شيئاً عن أهلنا في درعا؟»، يسأل أحد العاملين في محل للحلويات وسط المدينة. ويتابع كلامه متهكّماً على «شفافية الإعلام الرسمي»، مضيفاً: «كل شي وارد في إعلامنا الرسمي، روايات وتعتيم وأخبار قليلة عن مناطق الأحداث». الرجل الأربعيني لا يعرف شيئاً عن زملائه في المحل الذين اختفوا وانقطعت أخبارهم منذ أن عادوا الى عائلاتهم في محافظة درعا. هو قلق وغاضب، لكنه يردف «الأسوأ أني لا أصدق أيضاً الأخبار الواردة على قنوات مثل «الجزيرة» و«العربية» فهي تضخّم الأحداث كثيراً».
تهمة التضخيم واردة، فلماذا لا يقوم الإعلام الرسمي بتغطية شاملة أو يسمح للمراسلين العرب بالمجيء لنقل الصورة الصحيحة؟»، يقول يزن طالب الحقوق في جامعة دمشق.
ما العمل إذاً؟ «نشاهد الاثنين، القنوات المحلية والفضائيات، وإلّا الواحد ما بيفهم شي»، تقول غزوى مدرّسة اللغة الانكليزية الشابة المقتنعة بأن هناك حرباً إعلامية تخاض على سوريا. تشرح باسمة «أنا شخصياً أشاهد «الجزيرة»، وكل يوم بينسمّ بدني». لماذا؟ «لأنها تنقل أخباراً كاذبة ومضخّمة. فأنا أسكن في أحد الأحياء التي تقول المحطة إنه يشهد مواجهات بين محتجّين ورجال الأمن، لكن ذلك ليس صحيحاً وإلا لكنّا سمعنا أو شاهدنا ذلك من نوافذ منازلنا».
«لا «جزيرة» ولا غيرها، هون الأرض هي المعيار الوحيد»، يقول سائق التاكسي، شارحاً أن الناس يتصلون بعضهم ببعض في مختلف المدن ليطمئنوا على الأحوال». لكن، ماذا عن المناطق التي قطعت فيها الخطوط؟ يجيب السائق مباشرة «أفضّل أن أعرف القليل على أن يملي عليّ شاهد عيان أكاذيبه».
والشاهد العيان في سوريا بات نكتة يتندّر بها الناس ورواياته على كلّ لسان، حتى بات بإمكاننا القول إن «الشاهد العيان» هو من أسقط «الجزيرة» في امتحان الأحداث السورية. «نحن نسمّيه الشاهد العيّان»، أي المريض، يقول النادل في أحد مطاعم منطقة باب توما. ويضيف «نحن نعرف لهجات بعضنا بعضاً في المدن السورية. لذا، فقد كشفنا كذب من يدّعي مثلاً أنه شاهد من درعا لأنه لا يتكلم بلهجة أهل المنطقة إطلاقاً».
يحلّ المساء مع نسمة باردة وحركة دائمة في الشوارع عشية يوم الجمعة، تتجه الى أحد المقاهي الشبابية، حيث يختلط جو المطالعة مع الثرثرة والنقاشات بصوت عال. تبتهج وتقول في نفسك: «وجدتهم، عيّنات من شباب دمشق سيلخّصون لي أفكارهم ويطلعونني على قراءتهم للأحداث عشية يوم «جمعة الغضب» المرتقب».
لكن، ما هي إلا دقائق حتى تكتشف أن ثرثرة الجالسين الستة على طاولة في الزاوية تدور حول الهيكلية الوظيفية الجديدة في الشركة التي يعملون فيها، والنقاش بالنبرة العالية على الطاولة الأخرى يتمحور حول ماتش «برشلونة» و«ريال مدريد» الأخير، أما العيون الشاخصة على شاشات الكومبيوتر المحمول فكانت مشغولة بتحميل أغانٍ أجنبية على «يوتيوب» أو تفتش على آخر صيحات موديلات ساعات اليد. تحاول جاهداً فتح حديث حول أحداث البلد، لكن الإجابة تأتي مقتضبة وتفهمك بلطافة أنهم غير مهتمين بالحديث عنها.
تشتد الرياح وتمطر بغرازة فتسارع لركوب سيارة أجرة، صوت المذيعة الشابة يخرج بنبرة هادئة من الراديو: «أذّكر المواطنين ببيان وزارة الداخلية بمنع كل التظاهرات غداً... إن شاء الله تكون هالمطرة اللي نزلت أخذت معها كل شي وراح...».
10 تعليق
التعليقات
-
حاج بقى ملينامشكلتك يا طالب الحرية انك مفتكر انو سوريا هي بس نظام و استخبارات و مباني حكومية يعني انت شفت متظاهرين سلميين بالشارع بس ما شفت ناس واقفة على جوانب الطريق عم تتفرج على سلميتكم و تسمع شعاراتكن قولك النظام كان ماسك مايك و عم يصرح باذان الناس لا علوية ولا حزب الله بدنا سني يوحد الله ؟؟!!يعني للاسف اغلب الي وقف معكن باول التظاهرات و قال في مطالب و في حق و في حرية تظاهر رجع عشر خطوات لورا لما سمع شعاراتكن و شاف تصرفاتكن ولا تقولوا نظام لانو في شعب بيشوف كمان و عنده اذان و في عيروط و في الشغري و في مصطفى ياسين و هدول مو من اختراع النظام و انا قبل ما تعلق مو مخابرات الا اذا انتو مصرين انو هالبلد ما فيها غير طرفين نظام و مظاهرات.
-
يبدو كل المعلقين من الشبيحة الالكترونيةفي ظل القمع وتسلط الأجهزة المخابراتية المتعددة(والأشقاء في لبنان عرفوا جزءا يسيرا منها)كيف وبأي تعابير سيتحدث معك الناس في الشارع؟؟؟اذا كان النظام مقتنع بالسلفيين والامارات الاسلامية فلتذهب جريدة الأخبار ونحن لنا كل الثقة بوطنيتها وتلتقي شباب المظاهرات والمطالبين بالحرية والكرامة ولترسل صحفييها الى أماكن التظاهر وتسأل وتستطلع.....ولكن(ولأنهم أعزاء علينا) أرجو أن يلبسوا سترات واقية من الرصاص خصوصا للرقبة والرأس وخصوصا عند الوقوف في ساحة أو شارع تطل عليها مبان حكومية.
-
نشيد درعا الوطنيالنشيد الوطني الجديد لإمارة درعا: لالي لالي لالي الأمير بندر شيخ الرجالي "كمان مرة" لالي لالي لالي الأمير بندر شيخ الرجالي تحت جناحو أنا بتفيا بس يخشخشني بالريالي وكمان في ناس عم تطالب بنشيد طير أزرق طير مبركع طير معلي فوك ازرع بالليل ياعيني بالليل
-
مكتب الجزيرة للخدماتشهود مكتب الجزيرة للخدمات شهود عيان لكل المناسبات وبكافة اللهجات واللغات- تأييد أو معارضة- حملات اعلامية مكثفة - أسعارنا مقبولة- شعارنا ( المصداقية)
-
شاهد عــيـــّــان وليس شاهدشاهد عــيـــّــان وليس شاهد عَيان.
-
جميل لكن؟كلام معقول ولكن إقحامك للأوريالية والسوفيتيه في النص لامعنى لها سوى أنك تريد أن تصادر من له أي إعتراض على ماتصف بقولك أنك قرأت رواية إنكليزية شهيرة وتعرف إسلوب الدعاية السوفيتية وهذه نوع من التشاطر الذي يمارسه يساريون أوشيوعيون يقدمون طلب إنتساب الى نعيم المثقفين الآوروبيين... حتى أنت تعرف ذلك لأنك فتحت أقواسا لشرح ونسب ماتريد قوله...سورية في خطر وهذه ليست مزحة أو مكان للتندر ولاداعي للتذكي بأنك دخلت وراء الستار الحديدى وغامرت حتى نقلت الحقيقة...ببساطة لأن سورية يدخلها كل عربي ببساطة وللآسف دخلها البعض بأسلحة ولذلك التنبه والتنبيه لابد منه...ولك أن تعلم أن فضل سورية كبير على كل عربي وخاصة اللبناني منهم...
-
يا زلمي بتقول صباح كان في دمشق و غسان كان في تعز!يمكن لأن صباح قصد الشام على طبيعتها و غسان قصد المعارضين!
-
جميلاذا أردت يا كاتبنا العزيز ان تدلي بدلوك هذا على قناة الجزيرة لقطع الخط او اعتذر المذيع بسبب ضيق الوقت فسوريا على كل قنوات العالم تشتعل حالة من الحرب و القصف و المظاهرات التي لا تهدأ حتى ان البعض لا زال يصدق ان الجثث مرمية في شوارع دمشق بالمئات خذ العبرة من كلام الناس كل له رأيه وله نظرته لكنهم يعلمون جميعا ان ما حدث و يحدث في سوريا لا يمت بصلة لما تعرضه بعض قنوات التضليل و الكذب و النفاق فهل هذا مجرد تقصير في دور هذه القنوات و هل هو انعكاس للتعتيم الاعلامي الذي يقوم به الاعلام السوري و أشك جدا بعدم قدرة هذه القنوات على الحصول على المعلومة لو ارادت ذلك اذا ما يحدث هو بلا شك مؤامرة تستهدف اسقاط النظام السوري عبر اسقاط شرعيته دوليا و داخليا اما داخليا فالكذبة ارتدت عليهم و بقي التدخل الدولي المتزايد الذي لن يجد في سوريا الا وجها واحدا رافضا له تماما
-
نكتة سوريةهناك نكتة في سورية مفادها ان مستشاري الرئيس الا مريكي اعلموه بان مجازر تحدث في ساحل العاج فكان جوابه اين تقع ساحل العاج؟ الا سبوع الماضي ايقظ مستشارو الرئيس الا مريكي بان هناك مجازر في درعا، فكان جوابه درعا البلد ام المحطة؟ الاخوة في الاخبار الموضوع السوري موضوع كبير لذا كفى اضاعة للوقت هذه نصيحة محب من ارض الحدث.اللعبة كبيرة عرابها التركي نجحت في مصر،تونس لاعادة الحكم العثماني لكنها سقطت في دمشق الامويين،دمشق العروبة.