مراحل عديدة مرت بها الثورة اليمنية منذ تفجرها قبل أكثر من شهر ونصف. خلال هذه الفترة، نجاحات عديدة وجدت طريقها إلى التحقق، من دون أن يمنع ذلك من تسلل الإحباط إلى المعتصمين في ظل وجود رئيس، يحكم البلاد منذ ٣٢ عاماً، ولا يتوانى عن استخدام كل حيله وأدواته لمحاولة الحفاظ على موقعه، إلى جانب معارضة، تكاد بعض أطيافها، بفعل أخطائها، تتحول إلى عامل سلبي يؤثر على المتعصمين.وفي السياق، يعترف المحلل السياسي اليمني، محمد القاهري، في حديث إلى «الأخبار»، بوجود أخطاء وقعت فيها المعارضة، استفاد منها الرئيس اليمني، مؤكداً في الوقت نفسه وجود عوامل خارجية غير مساعدة، بما في ذلك الموقف الأميركي، من دون أن يمنعه ذلك من التأكيد أن الثورة اليمنية ستنجح في نهاية المطاف لتفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن.
ورأى القاهري أن المعارضة المؤسسية حاولت كثيراً، بوسائلها المعتادة من الحوار الوطني والمشاركة في الانتخابات، إحداث تغيير في البلاد، لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، وارتكبت أخطاء عديدة ساهم فيها بشكل أو بآخر تعدد أطيافها، غير المتجانسة.
وبعدما رأى أنه ليس هناك معارضة يقظة تجمع أخطاء الرئيس اليمني وتكبّله بها، شدد على أن أخطاء المعارضة بشكل أو بآخر هي مكسب للشباب المعتصمين، وتمنحهم فرصة أكبر للقيادة في المستقبل وفرض أنفسهم كندّ على الساحة السياسية. كذلك يرى القاهري أن من العوامل غير المساعدة في اليمن الموقفين الدولي والإقليمي. فالموقف الأميركي الداعم حتى اللحظة للنظام هو موقف خاطئ وضد المصالح الأميركية. ويرى القاهري أن منطلق التعامل الأميركي الخاطئ مع اليمن هو النظرة إليه بوصفه رجلاً مريضاً كان لا بد من أن يوكل إلى السعودية بوصفها صاحبة نفوذ في اليمن، والمموّل الرئيسي فيه لأطراف عديدة، تبدأ بالنظام ولا تنتهي بالقبائل.
ولا يخفي القاهري شكوكه من مدى الرغبة السعودية الحقيقية في أن يستقيم وضع اليمن ويتطور، لافتاً إلى أن الديموقراطية ستثير حساسية سعودية، لأنها ستساهم بشكل أو بآخر في كشف عورات الأنظمة وتقود إلى الثورة.
وعلى الرغم من هذه العقبات، يرى المحلل السياسي اليمني، أن الغلبة في النهاية ستكون للثورة، مشدداً على ضرورة أن يتركز العمل في المرحلة الحالية على ثلاث مسائل، «إسقاط الصنم، إتمام عملية نقل السلطة، وإيجاد النظام البديل»، وهو ما يتطلب حكماً العمل على استكمال التشكيل الشبابي الموجود في ساحات الاعتصام، بحيث يتحول إلى كتلة معترف بها، إلى جانب الحوثيين واللقاء المشترك والحراك الجنوبي، تتولى قيادة العملية السياسية في البلاد.
وتفاؤل القاهري بوصول الثورة اليمنية إلى أهدافها مردّه أسباب عديدة؛ «ففي السابق لطالما حضرت لحظات محددة للتغيير تغيّب عنها المغيرون، من دون أن يستفيد منها أحد، أما اليوم فالوضع تغير».
كذلك، فإن المقارنة بين استراتيجية شباب الثورة واستراتيجية الرئيس المترنح، تجعل الكفة تميل الى المعتصمين، فهم يعتمدون استراتيجية تصاعدية، تلقائية مقابل رئيس لا يجيد سوى اللجوء إلى تكتيكات تراجعية.
ومن هذا المنطلق، يشدد القاهري على ضرورة اعتماد المعتصمين سياسة النفس الطويل في مواجهة الرئيس اليمني، بعدما أكد أن صالح لن يرحل إلا بخطوات تصعيدية ذكية يعجز عن إبطال مفعولها، وتقضي على أي محاولة لإحداث انقسام شعبي.
وعن استعادة صالح زمام المبادرة خلال الأيام الماضية، يؤكد القاهري أن الاستعراض الجماهيري الذي أقامه صالح يوم الجمعة الماضي ليس سوى حشد لمقاومة الثورة والبقاء في السلطة، ومحاولة لتحسين شروط التفاوض، مشدداً على أن ما يقوم به ليس سوى فقعات ستنتهي قريباً.
ولفت القاهري إلى أن الرئيس اليمني، الذي وصفه بأنه «وكيل للشيطان في اليمن»، وافق على مفاوضات، لا بغرض التوصل إلى اتفاق نقل السلطة، بل بغرض معرفة ما هي شروط الخصوم واتخاذ موقف مبني على معلومات، بهدف الاستمرار في السلطة .
وعن التهديدات المتتالية لصالح بأن اليمن سيتحول إلى أربعة أشطار وإلى صومال آخر، رأى القاهري أن في هذه التهديدات «إدانه للرئيس اليمني، لأنه اعتراف غير مباشر بأنه كرس خلال فترة حكمه كل العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع».
أما استمرار صالح في مقاومة الثورة، فلا يرى القاهري أنه سلبي، بل على العكس، يشدد على أن سلوك الرئيس اليمني له فوائد وسيؤدي إلى تجذير الثورة. فليس المطلوب إبعاد صالح بوصفه صمام أمان للنظام، لأنه حينها ستبقى صبغة النظام، وستسعى بقاياه الى الالتفاف على الثورة عند انطلاقها في مهمة البناء. ولذلك، فإن إصرار الرئيس اليمني على حشد مختلف طبقات الفساد من حوله، سيسهل على الثورة مهمتها في اقتلاع هذه الطبقة.
وفي وقت استبعد فيه القاهري وجود صفقة بين اللواء علي محسن الأحمر والرئيس اليمني للالتفاف على الثورة، رأى أن الجاذبية الكبيرة للثورة وتمادي صالح في أخطائه أديا الى انضمام القائد العسكري إلى المحتجين، مؤكداً في الوقت نفسه عدم وجود ضرر من انتماء الذين لطالما استفادوا من النظام إلى الثورة، مشدداً على فكرة أن «الثورة نجحت في إرساء روح التسامح ... حتى إشعار آخر».