مرة جديدة تبدو مصر في قلب المشهد العربي. ليست على هامشه ولا بعيدة منه. وما لم يكن ممكناً قبل سنوات عديدة، صار الآن حقيقة. وربما لم يدرك ثوار مصر أنهم أعادوا الاعتبار إلى موقع مصر المتقدم في عقول العرب وحساباتهم من المحيط إلى الخليج، وأن ما قاموا به إلى الآن، مثّل نقطة تحوّل لم يكن يتوقّعها كثيرون من الذين أُحبطوا بفعل السياسة التي اعتمدها نظام حسني مبارك، والتي أدّت بهذه الدولة الكبيرة إلى موقع هامشي، إلى حدود منهكة للقريب وللبعيد في آن واحد. ومع أن التطورات الجارية إلى اليوم لا تكفي لرسم المشهد المستقبلي بصورة كاملة، إلا أنّ بالإمكان مراقبة ردود فعل خصوم العرب حتى يتبيّن للمرء حجم التحوّلات التي فرضتها الثورة المقبلة على مزيد من الخطوات خلال الأيام المقبلة. فاختبار القوة مع النظام بوجهه المجدّد كان يأمل من قنوات الحوار التي جرت قبل يومين فتح ثغرة في جدار الثورة وزرع الشقاق بين المعارضين من قوى سياسية وجماهير.
ومن ردود الفعل التي يفترض مراقبتها بدقّة:
أوّلاً: الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعد تخفي رغبتها في حماية سياسات النظام من دون الاكتراث لأشخاصه. وهو أمر يترجَم في نوع التواصل القائم الآن بين الإدارة الأميركية، وعمر سليمان وآخرين من أركان النظام، وحتى في نوعية التواصل الذي تجريه جهات أميركية مع شخصيات معارضة، حيث التركيز على أنه لا يمكن قلب النظام كله الآن، وأنه لا بأس بحوار مع سليمان باعتباره رجل الإصلاح الموعود.
ثانياً: إسرائيل التي تُظهر خشية لم يكن هناك أقدر من زعيمة المعارضة تسيبي ليفني للتعبير عنها، لجهة أن القلق يكمن في أن ما يجري قد يترك آثاره على مستقبل الدولة برمّتها. وهو كلام ينزع كل الأقنعة التي تغلّف الخطاب الرسمي لحكومة بنيامين نتنياهو الذي يحاول حصر الأمر في إطار معين، بغية توفير الدعم لحفظ النظام في مصر، مع بعض الاعتراض على السياسة الأميركية، علماً بأن تل أبيب تعرف تماماً أن المواقف الأميركية لا تستهدف إطاحة النظام، لكنها كمن يفتدي النظام القريب منه بأبرز رموزه حسني مبارك. وهذا ما فعله أيضاً عمر سليمان في محاولة افتداء نظامه وكرسيه ببضعة من رجالات النظام الفاسدين، الذين تبيّن أنهم ليسوا سوى واجهة للرئاسة وللأجهزة الأمنية.
ثالثاً: حكومات الاعتدال العربي والسلطة الفلسطينية التي لا تخفي من خلال وسائل إعلامها موقفها الداعم لنظام مبارك، وله شخصياً. وهي تعمل بقوة على ترويج الأفكار السيّئة عن ثوار مصر، عبر اتهامهم تارة بتخريب البلاد وإطاحة الاستقرار، وتارة أخرى بالعمل لمصحلة الخارج، مع الإشارة بالاسم إلى إيران. ويترافق موقف الحكومات هذه مع منع أي نوع من التضامن الشعبي في هذه الأمكنة مع ثورة مصر، علماً بأن شعوراً بالقلق ينتاب هذه الحكومات من احتمال انتقال عدوى الثورة إلى عواصمها ومدنها، وخصوصاً أنّ تجربتَيْ تونس ومصر تلغيان كل تحليل سابق عن عوائق وخصوصية وغير ذلك من التفسيرات التي أظهرت الوقائع أن لا صلة لها بالواقع أبداً.
رابعاً: القلق الذي ينتاب مؤسسات وأجهزة أمنية عالمية فشلت في وضع تقدير يقارب حقيقة ما حصل، وتبيّن أنه لم يكن هناك أي جهاز استخباري في العالم قدّر حصول ما يحصل. وهناك الآن حالة ضياع في تقدير الموقف للمرحلة المقبلة، وثمّة نقاش قائم يعكس حالة الصدمة إزاء ما يحصل، علماً بأن كل الدراسات الحقيقية التي جرت في الآونة الأخيرة دلّت على انعدام الجاذبية لدى أيّ من الحكّام، لكنّها لم تعكس على ما يبدو استعداد الجمهور لتحرّك يهدف إلى قلب هذه الأنظمة. والارتباك الذي يصيب هذه الأجهزة ينعكس أولاً بلبلةً في تصرفات وحسابات مؤسسات وهيئات تعرَّف بأنها المنظمات غير الحكومية، وهي التي تمتلئ برجال الاستخبارات والمدجّنين الذين لا عمل لهم سوى تقديم المشورة للحاكم.
إن قراءة سريعة لمواقف كل هذه الجهات تدل على أن في مقدور الثوار المصريين قلب المشهد رأساً على عقب، وربما أكثر من ذلك.
9 تعليق
التعليقات
-
كل كلمة تقال في أحداثكل كلمة تقال في أحداث مصر,تشكل إما نقطة ماء تساهم في إطفاء نار الثورة,وإما نقطة زيت تعزز من لهيبها. أصحاب الماء هم المهزومون المنكسرون الخائفون القابعون في جحورهم والواقفون على رصيف الحياة إذا ما خرجوا من كهوفهم. أما اصحاب الزيت المقدس فهم الذين يحملون مشاعلهم ويقفوا في الصفوف الأولى لهذا الطقس البشري العظيم المتوجه نحو قبلة الحرية من أجل إضاءة شعلتها المباركة في عتمة الليل العربي الطويل.أما الخيار فبين إثنين: نور وضياء وكرامة نرفع فيها جباهنا مجددا, أو ظلام أبدي مستمر ننطوي فيه على أنفسنا كالخفافيش التي فقدت بصرها وبصيرتها ولم يعد أمامها إلا تتبع الصدى. فماذا نختار؟!
-
مشهدين وخفافيش تتربص !في مقابلة تلفزيونية أمس على دريم إستضافت المقدمة طبيب جراح وفنان تشكيلي وكاتب سيناريو وإعلامية متمردة على مهازل التلفزيون الرسمي,كلهم من الثوار الذين انتقل عنوان إقامتهم إلى ميدان التحرير,كلهم تكلمو بثقة وحجة وإصرار وتحد لم ألحظ في عيونهم رمشة خوف ولا في صوتهم نبرة تردد أو كلام يحتمل وجهين,وكلهم أنهو حديثهم بجملة واحدة:عليه أن يرحل. في المقابل ومنذ أيام وفي مقابلته الأخيرة مع الabc الأمريكية قال الطاغية الهرم -بحسب المراسلة امانبور- في رده على سوألها (ما معناه)ماذا تشعر عندما تشاهد الكثير من أفراد شعبك على الشاشات يشتمونك ويطالبونك بالرحيل ؟ قال:أنا لا أستمع إلى الناس,أنا أرى ما مصلحة البلاد وأفعلها!!. بغض النظر عن شدة الإستعلاء والتكبر والغباء في جواب سي حسني,فإن تحليل المشهدين يدلان على أن الشعب المصري صمم على قلب الطاولة على رأس مبارك ونظامه,فهذه العينة غير المسيسة سابقا من الناس هي دليل أن التغيير قادم لا محالة برغم أنف أوباما والمغرورة كلينتون,لكنه يدل أيضا على أن نظام الإجرام والفساد والتبعية لم يلعب كل كروته بعد. الخوف الأكبر الأن من مسألتين : 1/ عمل أمني إرهابي كبير مدبر من cia أو الموساد لمحاولة قلب الصورة وضرب التعاطف الشعبي مع الثورة كعملية ضد الجيش مثلا توقع فيه الكثير من الإصابات ! 2/ العمل على فتنة بين المتظاهرين أنفسهم أو هم والجيش ولن تعدم خفافيش الليل الوسائل لتجربة كهذه ! مصر كبيرة ومهمة جدا لكي يتركها الشياطين تفلت هكذا من أيديهم, لكن يبقى أملنا في :ويمكرون ويمكر الله,والله فعال لما يريد.
-
أن القراءات والأستنتاجات التيأن القراءات والأستنتاجات التي توصل اليها الأستاذ أبراهيم منطقية و صحيحة . و أنني أرى أن أول خط دفاع عن أماني الشعوب العربية و ثوراتها و ثوارها هو التصدي بقوة لمثقفي هذه الأمة الأنيقي المنظهر و الكتابة الناشرين لثقافة الواقعية السياسية الراكبي للسيارات الفارهة حاملي لواء نشر الثقافة الغربية العاملين كخدم لدى فوكوياما و هنتنغتون . و في هذه المناسبة و لدى قرائتي لرسالة مراسلكم من القاهرة أيقنت أن كل أحزاب المعارضة المصرية أبتداءً من الأخوان المسلمين أنتهاءً بالناصريين و الوفد و غيرهم من جماعة الحوار هم الركائز الأساسية لقيام النظام المصري المبارك من الولايات المتحدة الأميركية و حماته لأنه بدون معارضة ديكور لا يقوم نظام ديكتوري قمعي مغطى بلعبة الديمقراطية ( و لكم في سامح عاشور مثالاً ). حمى الله شباب مصر و ثوارها و دعائنا لهم بالنصر لأن أنتصارهم هو أنتصار للمظلومين العرب و المسلمين و أولهم الفلسطينيين و اللبنانيين و الشعوب العربية و الاسلامية المقهورة . و أن هزيمتهم ستغيّب صورة الثوار الى أمد طويل .
-
نسيم العروبة يتجددالرهان على تماسك الجماهير المحتشدة في ساحات مصر,رافضة كل انواع التفاوض الذي يميع مطالبها ويسعى الى إماتتها مع مرور الزمن. عمر سليمان,حسني مبارك وجهان لعملة واحدة,النظام الفاسد في مصر. كل من انتجه النظام يسعى لتأمين المصالح الامركية ومصالح الطغمة الحاكمة مع إلهاء الشارع بفتات الاصلاح. حلول جزئية لا تفي بتطلعات الشارع المصري. وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق...
-
ليس تيئيسا ولكنمن ثورة إلى اعتصام،من جمعة الرحيل إلى اسبوع الصمود،من التوريث في العائلة أو النظام إلى التوريث في النظام، لو علم الشهداء ما سقطوا، أنا لا أسمي هذا نصرا، خشية اسرائيل وأمريكا مبررة وهم يعملون بجد لمحاصرة مخاوفهم واحتواء الموقف بنجاح باهر حتى الآن، تحول الحشد المحتج إلى مايشبه المولد، سلوك سلمي في زمن الثورات يصل إلى حد الدروشة، منذ متى يسقط الفراعنة بالغناء والتندر ؟ إشارة الجزيرة إلى مارتن لوثر كينغ في غير محلها ولا أي إشارة إلى غاندي، أعتقد أن الطاغية مرتاح حيث هو، فهذه الحشود بلا مخالب. أجهز على الثورة ولم يقدم شيئا يذكر، يحق له أن يسخر من كل طاغية جبان ترتعد فرائصه من الجماهير، يحق له أن يعلمهم درسا في سياسة النوق والبغال، مصر حجر الدومينو الأخير توقف عن السقوط ومعه أجهضت أحلامنا، كعهدنا بهم خذلونا...شعور عميق بالغضب ممن يتوجب علي أن أحبهم ...شعور آخر بالمرارة والخسران ...لماذا توقفوا عن الفعل والمبادرة !!! كيف انتقل التغيير من الميدان إلى الغرف المغلقة في القاهرة وتل أبيب وواشنطن لكي يأتونا بتسويف ومناورة ومداورة وتغييرات شكليه؟
-
الثورات ليست مسابقات فيالثورات ليست مسابقات في الجمال و الابداع و الخلق ... كما هي حال انظمة الفساد المنمقة على اشكال لاعبيها... لمن يتهم الثوار بالعبثية و التخريب ان يعلم بان اللوحة ليست مستوحاة من اعمال فان غوغ!... ابشع ما في العبثية هو انها مربكة و هذا هو المطلوب في الوقت الراهن.... ارباك الانظمة حتى النخاع!...نراكم عند بزوغ الضوء.
-
لا قلب للمشهد و لا بطيخ ,,لا قلب للمشهد و لا بطيخ ,, ليش ما بتقول للقراء ان الجيش المصري هو الذي يقوم الان باجهاض الثورة بالتنسيق مع الاميركيين و يحمي مبارك في قصره و يمنع مجرد التفكير بتغيير النظام او المساس به . هذا الجيش ( لمن خانته الذاكرة ) الذي تدربه و تموله و تسلحه واشنطن منذ ثلاثين عاما و هو نفسه من اخذ امس اذنا من اسرائيل لادخال 800 جندي الى سيناء مع تعهده باخراجهم بعد عودة الهدوء ! فالرجاء التواضع في الرهانات على الثوار لان الجيش بالمرصاد و ستنتهي الازمة برحيل مبارك ابن مؤسسة الجيش و جلوس عمر سليمان ابن ذات المؤسسة مكانه ...