لا تختلف مواقف العمال المصريين في البقاع عن مواطنيهم داخل أرض الكنانة. الجميع هنا يعلنون تضامنهم مع ثورة النيل. أما المطالب فتتراوح بين إجراء إصلاحات جذرية في النظام وإسقاطه. يُنهي متولي (اسم مستعار) ملء خزان السيارة بالوقود بسرعة قبل أن يدخل إلى محطة المحروقات حيث يعمل. لا يريد الشاب المصري أن يفوّت شيئاً مما يحصل في بلاده. يتابع أول بأول ما تتناقله محطات التلفزة من تطورات، ولا سيما في الدقهليّة، أي المحافظة التي تركها يوماً سعياً إلى كسب الرزق.

«تخطّينا حاجز الخوف»، يؤكد متولي بثقة. ومع ذلك «فتمنّي عدم ذكر اسمي الحقيقي ليس جبناً بل حرص مني على مصلحة ربّ عملي لا أكثر ولا أقل»، كما يقول. يؤلم الشاب اضطراره إلى العمل هنا وهو يحمل دبلوم تجارة من جامعات مصر. يقول: «المشكلة هي أنّ النظام لا يوفّر لنا فرص عمل، ويجبرنا على الانتقال من أرضنا بطريقة غير شرعيّة». يتهكّم متولي الشاب من رأس النظام، مطالباً بإسقاطه على قاعدة «مش عاوزين ريّس بيصبغ شعرو».
يتوقف الشاب عن الكلام، ليردّ على مكالمة هاتفيّة خلويّة من بلده «اطمّن أهلي كويسين وهم بألف خير، إن شاء الله الأوضاع بتهدا وبتتحقق أماني أهلنا هناك». ثم ينتقل إلى التعليق على الوضع الاقتصادي «إزاي حنوفي ديون البنك الدولي اللي حرقت سلّافنا». يشهر متولي موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، مناشداً «إقفال سفارة الصهاينة في مصر، وعودة أم الدنيا إلى الحضن العربي».
من أجل ذلك، يشدد هشام الذي يعمل في أحد مصانع مدينة زحلة على «إزاحة النظام لعدم جدوى الجرعات المهدئة». لا يتوقف الشاب عن تلقّي اتصالات هاتفيّة مصدرها عمال مصريون ينتشرون في أكثر من منطقة لبنانيّة. يرغب بقوة في العودة إلى بلده و«منخلص من هالبهدلة في الغربة»، وإن بدا راضياً عن طبيعة عمله في لبنان، لكونه يعمل في مجال اختصاصه. هذه ليست حال المصريين الآخرين الذين يحملون شهادات عليا ويعملون حرّاساً على المباني، أو في أحسن الأحوال يعملون عمّالاً في محطات الوقود.
أما جهاد، فلا يطالب بإسقاط النظام، بل بتحسين وضعه على حدّ تعبيره. المسؤولية في تردّي الأوضاع تقع، في رأيه، على المحيطين بالرئيس حسني مبارك. شعر الريّس ليس المشكلة «إحنا مالنا ومال شعر الريّس. عاوزين نعيش مثل باقي الخلق لا أكثر ولا أقل»، مؤيّداً قطع العلاقات مع إسرائيل. وللمناسبة، جهاد يعمل في مزرعة لتربية الدواجن في إحدى بلدات البقاع الأوسط، حيث يستقر وزوجته اللبنانية وأولاده.