القاهرة | المفارقة في القرعة الهيكلية، وهي الآلية الحالية لاختيار بابا الكرازة المرقسية وأسقف الإسكندرية، هي في تلك الرابطة التي تجمعها مع مستوى الديموقراطية في السياسة المصرية حتى بعد الثورة. كما أن مصر تعيش نصف ديموقراطية، كذلك هي الكنيسة المصرية.
تقوم القرعة الهيكلية على اختيار طفل لورقة واحدة مطوية من ضمن ثلاث ورقات تتضمن أسماء أصحاب أعلى الأصوات، عشوائياً. ويقول إسحق حنا، الناشط في تيار العلمانيين الذي بزغ قبل سنوات في مواجهة البابا الراحل شنودة الثالث للمطالبة بإصلاح الكنيسة، «لعل القرعة الهيكلية كانت تعبيراً عن رغبة صناع السياسة في إحكام عملية اختيار البابا في إطار الديموقراطية المنقوصة، ربما للإبقاء عليها متوازنة مع تلك الديموقراطية المنقوصة التي كانت تحكم اختيار رئيس الجمهورية نفسه. في ذلك الوقت، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كان الرئيس يتولى منصبه بناءً على استفتاء شعبي لا انتخابات بين متنافسين، وهو ما لم يكن متناسباً من وجهة نظره مع بطريرك يصل الى موقعه عبر انتخابات».
وجهة نظر يدعمها ما تضمنته لائحة انتخاب البطريرك الصادرة عام 1957 من وجود ممثل أو مندوب لوزارة الداخلية خلال عملية انتخاب البابا، فـ«هل هذا لحفظ الأمن والنظام بين الأساقفة الأجلاء؟ أم هو تدخل من رجل الأمن في التوجيه والإرشاد لما يراه في عقله صالحاً لتحقيق هدف تراه الدولة؟» يتساءل الأنبا بفنتيوس، أسقف سمالوط، المدينة التي تقع ضمن أعمال محافظة المنيا، في كتابه الصادر في عام 2006 «حتمية النهوض بالعمل الكنسي»، معقّباً على اللائحة المثيرة للجدل، ومهاجماً آلية القرعة الهيكلية.
ويقول الأنبا بفنتيوس، في كتابه، إن «عمل القرعة الهيكلية هو اسم مختلق لا أساس له لاهوتياً وعقائدياً، ولا يوجد نص قانوني كنسي يبرر إجراء مثل هذه القرعة، ولا يمكن إيقاف عقلنا عن التفكير السليم الذي يكون بالصلاة وإرشاد الروح القدس، الذي يعمل في إظهار من يحصل على أكثر أصوات للمؤمنين».
ويضيف لـ«الأخبار» أن «تاريخ الكنيسة المصرية يخلو من أي أثر للقرعة الهيكلية؛ فمنذ العهود الأولى للكنيسة المصرية والقاعدة هي اختيار الباباوات عبر آلية الانتخاب بين المرشحين من قبل الشعب المسيحي كله، في العصور الأولى ثم من قبل الإكليروس وكبار العلماء في اللاهوت المسيحي وغيرهم من الوجهاء في عصور لاحقة، وذلك وفقاً لقانون الكنيسة الذي يتضمن نصاً (فإذا اختاره الشعب قبله الله)، فلا مجال لأن يقال إذن إن القرعة الهيكلية هي تعبير عن إرادة الله. الله يختار عبر إرشاد الناس لاختيار الأصلح».
واللافت أن البابا شنودة، قبل وفاته، كان يقف مدافعاً عن استمرار العمل بنفس آليات اختيار البابا بعدما كانت السنوات الأخيرة في عهده قد شهدت نمو الجدل حول من يخلفه. وهو ما يتناقض تماماً مع كتابات له قبل تنصيبه بطريركاً، حيث رفض تقليص أعداد الناخبين وحصرهم في أعضاء الأكليروس وأعضاء المجلس الملّي، وهو مجلس يضم وجهاء الأقباط دون تمثيل حقيقي لهم ولا صلاحيات واضحة.
يقول بيتر مجدي، وهو صحافي متخصص في الشؤون القبطية، إن اللائحة تواجه بالفعل معارضة واسعة، «إلا أنّ ثمة اتفاقاً ضمنياً في الأوساط القبطية والكنسية بصورة خاصة على اختيار البابا وفق هذه اللائحة وإرجاء تعديلها خشية أن تظل الكنيسة بلا بطريرك في حال أعلنت الكنيسة أنها عاكفة على تعديل اللائحة، ووجبت موافقة مجلس الشعب... إذ سادت توقعات بأن البرلمان ذا الأغلبية الإسلامية سيعمل على تأخير إصدار اللائحة الجديدة، وقرر الأنبا باخوميوس، قائم مقام البطريرك، أن يكتب المرشحون الذين سيصلون إلى القرعة الهيكلية تعهداً بإعداد لائحة جديدة خلال عام من تولّي أي منهم للكرسي البابوي».