الجزائر | لم تبدد يوماً الرسائل الودية المتبادلة في المناسبات بين الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، والملك المغربي، محمد السادس، التوتر بين البلدين. ويخيل للبعض أنه لا نهاية للصراع المستمر حول الصحراء الغربية التي ضمتها المغرب عام 1975، وباتت تعتبرها جزءاً من وحدتها الترابية، بينما تدعم الجزائر الحركة الاستقلالية فيها.
ودخل الخلاف بين الجزائر والرباط منعرجاً جديداً، مع مطالبة مستشار البعثة المغربية، عمر ربيع، اللجنة الثالثة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بحماية القبائل في الجزائر وتأييد حقوقهم، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والآليات الأممية ذات الصلة. وقال ربيع إن «الشعب القبائلي يُعَدّ الشعب الأصيل الوحيد في أفريقيا الذي لا يزال يعاني من التمييز الممنهج والعنف الشامل والحرمان من حقوقه الأساسية، وخاصة المتعلقة بتقرير المصير والحكم الذاتي». ويوم الجمعة الماضي، في خطاب بمناسبة الذكرى الـ 40 لـ"المسيرة الخضراء"، التي ضم بها المغرب الصحراء الغربية بعد جلاء الاحتلال الإسباني، اتهم محمد السادس الجزائر بـ"إهمال سكان تندوف وتركهم في وضع مأسوي»، قائلاً إن الأخيرين «لا يزالون يقاسون الفقر واليأس والحرمان، ويعانون من الخرق المنهجي لحقوقهم الأساسية».
وفسرت الجزائر سلوك المغرب هذا بأنه رد على مساندتها لجبهة البوليساريو التي تطالب بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية، متهمة الرباط بتشجيع الطائفية في مدينة غرداية ومنطقة القبائل في الجزائر، من خلال دعم زعيم ما يُعرف بالحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل، فرحات مهني. وجاء الرد الجزائري يوم الأحد الماضي على لسان وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، الذي قال إن ضم المغرب للصحراء الغربية عام 1975 هو «خديعة كبرى رهنت مصير الشعوب المغاربية، من خلال توسع إقليمي لمدة 40 سنة». ورأى لعمامرة أن تصريحات محمد السادس «لها وقع المراهنة على الأسوأ»، مشيراً إلى أن «الشرعية الدولية نطقت منذ أيام، على لسان أمينها العام، بان كي مون، كما فعلت محكمة العدل الدولية منذ 40 سنة خلت، في رأيها القانوني الاستشاري... (والذي أيد موقف) الجمعية العامة ومجلس الأمن الأمميين، (وهو) نفس الموقف المبدئي الذي تتبناه الجزائر في هذا الشأن، أي أن حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير حتمي وثابت وغير قابل للتقادم».

لعمامرة: تصريحات الملك «لها وقع المراهنة على الأسوأ»

واستبقت الرباط الذكرى الأربعين لـ"المسيرة الخضراء" بزيارة قام بها محمد السادس، على رأس وفد كبير، إلى مناطق الصحراء الغربية لحضور الاحتفالات في المناسبة. وكتب الأمين العام لجبهة البوليساريو، محمد عبد العزيز، رسالة إلى بان كي مون، يصف فيها الزيارة بالعمل الاستفزازي وغير القانوني وغير الأخلاقي، والذي ينتهك الشرعية الدولية، حيث قال رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، متوجهاً للجزائر، إن «المغاربة مقتنعون اقتناعاً جازماً بأن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من وطننا»، فيما انتقد وزير الخارجية، صلاح الدين مزوار، ما وصفه بتوجيه الجزائر "ضربات تحت الحزام" للمغرب، علاوة على سياسة «الهروب إلى الأمام، وافتعال قضايا هامشية من أجل التشويش على التنمية التي تقودها المملكة في أقاليم الصحراء».
وفي حديث إلى "الأخبار"، رأى اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد أن «حقيقة نيات المغرب تجاه الجزائر هدفها تجاوز الأزمات الداخلية على أكثر من صعيد»، مضيفاً إن «مواقف الدبلوماسية المغربية تؤكد لنا أن سياسة الرباط تطابق التوجهات الاستعمارية الجديدة لفرنسا، وتتماشى وتتقاطع مع (سياسة) الكيان الصهيوني». وأشار مجاهد إلى أن الانفصالي، فرحات مهني، كان قد حظي قبل أسابيع باستقبال رسمي في فرنسا وفي «إسرائيل»، ما يؤكد برأيه أن الغرب يستغل المغرب ولوبياته للضغط على الجزائر. وبحسب مجاهد، فالحراك الذي تقوم به لوبيات المغرب ودبلوماسيته، في مختلف المحافل الدولية، يهدف الى التشويش على الحراك العالمي المناصر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وذلك من خلال محاولة ضرب وحدة الجزائر».
من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ورقلة، عمار بن خليفة، في تصريح لـ"الأخبار»، أنه لا صدقية للخطاب المغربي، مشيراً إلى انتقاد «الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة» استمرار «الاستبداد» في عمق المشروع السياسي للدولة المغربية، بعد دستور 2011. وقال بن خليفة إن دولاً كفرنسا تقف وراء سلوك الرباط، وذلك لاعتبارات تاريخية واقتصادية، مضيفاً إن الأمم المتحدة، التي لجأ إليها المغرب، تنتقد في مختلف التقارير سياسة المغرب في محاربة المخدرات، وتحملها المسؤولية عن إغراق الجزائر وتونس وليبيا ومصر بالمخدرات، فضلاً عن دعوات بان كي مون للإسراع بإيجاد تسوية لملف الصحراء الغربية.
وتأتي زيارة محمد السادس للصحراء الغربية مع الإعلان عن عزم بان كي مون على القيام بجولة في شمال أفريقيا، لبحث سبل تقريب وجهات النظر، وحض الأطراف المعنية على استئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو «بدون شروط مسبقة وبحسن نية»، باعتبار ذلك الخيار المتاح لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة في إطار «الحل السياسي».