الجزائر | كشفت الرئاسة الجزائرية، أول من أمس، عن القائمة الكاملة لأعضاء الحكومة بعد مخاض استمر أربعة أشهر من الشد والجذب بين القوى المتنافسة في الحكم. وشبه مراقبون ما جرى بالمثل العربي «تمخض الجبل فولد فأراً». 36 عضواً بين وزير ووزير منتدب وكاتب دولة معظمهم حافظوا على مواقعهم في الحكومة السابقة، وكانوا قد تقاسموا الفشل في مختلف القطاعات. لقد حافظ عشرون وزيراً ووزيراً منتدباً من الـ 36 على مناصبهم التي شغلوها من قبل، في مقدمهم الوزير المنتدب للدفاع عبد المالك قنايزية ووزراء: الخارجية مراد مدلسي، والداخلية دحو ولد قابلية، والثقافة خليدة تومي، والأشغال العمومية عمار غول، فيما غيّر البعض الآخر حقيبته. وعاد آخرون، سبق لهم أن شغلوا مناصب في الحكومات السابقة، مثل محمد شرفي (وزير العدل)، وعبد المجيد تبون (وزير الإسكان)، الذي رحل من الحكومة قبل سنوات تحت وقع فضيحة مالية كبرى تسبّبت في إفلاس بنك الخليفة، أكبر بنوك القطاع الخاص، لشغل مكانهم السابق في الحكومة الجديدة.
وعاد أيضاً عمارة بن يونس، وزير الصحة ثم الأشغال العمومية سابقاً، وكان في حينها بحزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية المتحالف مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عند انتخابه أول مرّة. وقد استقال من الحكومة بعد سحب دعم حزبه لبوتفليقة على أثر أحداث منطقة القبائل الدامية في ربيع 2001. لكنه عاد منفرداً وتحالف مع السلطة ثم أسس حزباً جديداً اعتمد أخيراً.
وعُيّن رئيس البرلمان السابق، عبد العزيز زياري، في منصب وزير الصحة. وغاب عن التشكيلة لأول مرة منذ تولي بوتفليقة مقاليد الحكم ربيع 1999 كل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، اللذين تداولا على رئاسة الحكومة طيلة الفترة السابقة، إضافة الى نور الدين يزيد زرهوني، وزير الداخلية لعشر سنوات.
وكانت هذه الحكومة، بحسب المحللين، نتاج اتفاقات بين المجموعات النافذة في السلطة، وأُخذ بالاعتبار عند تشكيلها وزن هذه المجموعات، وبدرجة أقل تمثيل كل المناطق. ومع أن المنطقة الغربية التي ينحدر منها بوتفليقة ضعف وزنها في هذه الحكومة، قياساً لما كانت عليه سابقاً، إلا أنها لا تزال تحتل موقع الصدارة بين جميع مناطق البلاد في عدد أعضاء الحكومة المنتسبين لها.
هذا هو باختصار شكل الحكومة التي يقودها عبد المالك سلال، فما هي أبرز مهماتها في الأمد القريب؟ حظوظ نجاحها؟ لعل أول ما يواجه الوزراء، هو هذه الحركة الاجتماعية الاحتجاجية التي تحضر منذ الربيع للدخول العاصف في قطاعات التعليم والصحة والإدارة العمومية وعديد القطاعات الإنتاجية.
فالنقابات تجاهلت إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، وظلت على برامج نشاطها المطلبي، وإن لم يعلن الوزراء المعنيون في الساعات والأيام القليلة المقبلة إطلاق حوار إيجابي يلبي المطالب فسيكون الخريف عاصفاً وستشل قطاعات كثيرة بسبب تدني شروط العمل وضعف الأجور مع التهاب أسعار كل السلع والخدمات. وسيتزامن هذا الاحتقان مع أمرين مهمين توليهما السلطة الأولوية، يتعلق الأمر الأول بالانتخابات المحلية لتجديد مجالس 1541 بلدية و48 ولاية، وهي أكبر انتخابات في البلاد من حيث عدد المرشحين. ومع أن المحليات عموماً تسجل نسبة إقبال كبيرة من الناخبين، فإن هاجس المقاطعة يطارد القائمين على عمليات الاقتراع.
أما المهمة الثانية للحكومة، فهي الإشراف على إعداد مسودة الدستور الجديد أو تعديل القديم بداية العام المقبل، ثم تنظيم استفتاء عام حوله، ربما يكون في آخر الربيع. وهذه المهمات ستشهد صراعاً حاداً بين «دوائر القرار» من أجل توزيع الحصص في المناصب وحول الصلاحيات الدستورية. الحكومة التي أُعلن عنها أول من أمس، لن تفعل جديداً؛ فهي حسب ما يرى كثير من الجزائريين كما سالفاتها: وليدة ثقافة الفشل.