موظف الجمارك السوري في غرفته في جديدة يابوس لا يزال يستظل بأوراق الصحف. ألصق على الزجاج الصفحة الاولى من جريدة «الحياة» السعودية. العدد قديم نسبياً. كان الخبر السوري في أسفل الصفحة، بارداً كما كانت تغطية وسائل إعلام آل سعود للحدث السوري. الخبر الأول كان يمنياً، والثاني مصرياً، وتصريح لوليد المعلم في أسفل الصفحة. لا شيء على الحدود يوحي بأنك صرت في أرض ثورة أو انتفاضة. ورغم أن إجراءات التفتيش لم تعد تعتمد على «الثقة» بين رجال الامن وسائقي السيارات، إلا أنها لا تؤخر العابرين. الزحمة عند الحدود كما هي في الأيام العادية لسنوات ما قبل آذار 2011. أيام العطلة اليوم تشبه أيام العمل آنذاك.
طريق الشام على حالها، فالثورات لا تغير الجغرافيا. السائقون لا يزالون خائفين من أن يضبطهم الرادار متلبسين بسرعة زائدة. لا جديد سوى حاجز للاستخبارات قرب المجمع الذي يرتفع فوقه علم شركة «إعمار» الإماراتية. الحاجز شكلي إلى حد ما، ورجاله أقل تأهباً من دورية الاستخبارات التي تحرس منذ دهر الطريق إلى قصر أمير قطر، الذي يكاد يشرف من فوق تلك التلة على بلاد الشام كلها.
تدخل أرض الفرقة الرابعة من الجيش السوري من دون أن يظهر لعسكرها أي وجود خارج الثكن. دمشق المزروعة بالمآذن تبدو من علٍ بلا حدود شرقية. حدها الوحيد هو قاسيون. إيقاع الحياة في عاصمة الأمويين لم يخرج بعد عن بطئه المعتاد. حركة الشوارع كما هي من سنين. والمظاهر الأمنية الرسمية في حدودها الدنيا. لم يُقفَل شارع في دمشق منذ بداية الأزمة سوى ذلك الذي يمر من أمام مبنى تابع لأركان القوات المسلحة. آثار الانفجار الذي استهدف مبنى أمن الدولة أزيلت عن السور الخارجي الذي أعيد بناؤه ولم يعد يحتاج سوى للطلاء. بعض المسؤولين لا يزالون يتجولون في دمشق من دون أي مواكبة تُذكر. وحتى امام المقار الرسمية الشديدة الحساسية، لم تتبدل الإجراءات الأمنية العلنية الشبيهة بما كان متّبعاً في عصر ما قبل 11 أيلول 2001.
تبدو علاقة دمشق اليوم بالحدث الامني والعسكري خارجها كعلاقة بيروت بأحداث مخيم نهر البارد. ثمة قلق باد على الوجوه، والاجانب ممنوع عليهم شراء خط هاتف خلوي إلا من مكاتب الشركتين. وفي بعض محال بيع الهواتف، لن يسمح لك الموظف باستخدام هاتفه لدقيقة، ولو لقاء بدل مالي. لكن كل ذلك لم يمنع اهل المدينة من القيام بما يقومون به مذ ولدوا: شرطي السير عند التقاطع. المحال التجارية تستقبل زوارها، ولو تأثر المبيع بغياب السياح وارتفاع الأسعار السلع التي عادت للهبوط، والنزف الاقتصادي اليومي. المقاهي مفتوحة وتعج بالزوار ابتداءً من ساعات المساء الأولى. روادها في منطقة المزة، على سبيل المثال، يمثلون معرضاً ضخماً للألبسة وحقائب اليد الـ«سينييه ». ورغم ظهور مولدات الكهرباء امام بعض المباني، فإن التغذية تتحسّن يوماً بعد آخر. وفي العاصمة، انخفض التقنين إلى ساعة واحدة يومياً في بعض الاحياء.
الخبر الأمني بعيد نسبياً عن دمشق. أكثر ما أقلق الناس في نهاية الأسبوع الماضي كان خبر اختطاف طفلين من منطقة شرقي الشام، قرب الحدود اللبنانية. دفع والدهما فدية قبل إطلاقهما، لتنتهي العملية بتوقيف ثلاثة من الخاطفين. يؤكد مسؤولون رسميون سوريون أن العمليات هذه يقوم بها «الثوار». فالكثير من هؤلاء كانوا ينفذون عمليات إجرامية قبل بدء الاحداث، وعندما اندلعت «الثورة»، انضموا إلى مجموعات المعارضة المسلحة. كانوا يقومون بذلك دوماً، لكنهم اليوم أجرأ من ذي قبل، وخبر أعمالهم بات أكثر تأثيراً.
لافتات المرشحين لانتخابات مجلس الشعب غزت أشجار المدينة وجدرانها وأعمدتها. لكن معظمها يخلو من السياسية. وحدها كلمة إصلاح تظهر عرضاً فوق بعض اللافتات. «الناس لم تتغير بعد»، يقولها أحد المقربين من دوائر القرار السوري.
على المستوى السياسي، عادت ألوان وجوه المسؤولين السوريين إلى سابق عهدها. حتى أكثرهم تشاؤماً صار أكثر اطمئناناً إلى المستقبل. ثمة عوامل عديدة تساهم في ذلك: تماسك الجيش والمؤسسات الأمنية والجسم الدبلوماسي. مؤسسات الدولة التي رغم تكلسها لا تزال تعمل. الكتلة الكبرى من المواطنين في دمشق وحلب وعدد من المحافظات الأخرى. الأقليات المتكتلة حول الرئيس. يُضاف إلى هؤلاء جيش من رجال الدين، الصوفيون منهم وأتباع المذاهب الأربعة ممن يخشون سيطرة الوهابية على «إسلام شام شريف». والفئة الأخيرة لمست الثمن الذي ستدفعه، من خلال عمليات اغتيال لعدد من رجال الدين، بسبب إبداء رأيهم الذي خالف رأي «مشايخ الثورة». وكان أبرز هؤلاء في الشام، الشيخ احمد صادق الذي دفع حياته ثمناً لموقفه. وما تقدم يمكن تلخيضه بعبارة واحدة: ثمة فئة لا بأس بها من أهل السنة في سوريا لا يزالون يحافظون على وجود النظام. والرئيس بشار الأسد قال في مجلس خاص قبل أسابيع، ان «من حمى سوريا هم أبناء الطائفة السنية». عبارة غريبة عن ادبيات القيادة السورية، لكن مصادر قريبة من دوائر قصر الشعب تؤكد أنها قناعة الأسد.
خارجياً، عوامل الاطمئنان كثيرة، لكن أبرزها ثلاثي روسيا والصين وإيران. وموسكو باتت عاملاً مقرراً في مواجهة النظام السوري للأزمة التي يمر بها. ولم يعد مستغرباً سماع مسؤول سوري رفيع المستوى يقول «إننا كنا نريد أن نعلن إطلاق حوار داخلي قبل أسابيع، لكن أصدقاءنا الروس نصحونا بتأجيل الخطوة لكي لا تبدو عرقلة لمهمة كوفي أنان». ولخطة أنان هدف رئيسي: «وجود المراقبين سيتيح الوقت الكافي لقوات حفظ النظام لبسط السيطرة وتأمين الأمن للمواطنين». وروسيا، في المقابل، ترى في سوريا خط الدفاع الأول. يكررها مسؤولون روس: خط الدفاع الاول عن أمننا الاستراتيجي، وخط الدفاع الاول عن حليفتنا إيران.
في دمشق، الزمن ليس زمن ثورة. والسلطة مطمئنة إلى مستقبلها ومستقبل بلادها. لكن من بيدهم الأمر يتحدّثون بواقعية: الأزمة طويلة ولا تُقاس بالأشهر.
20 تعليق
التعليقات
-
عندما ينكسر القيد (2)عندما ينكسر القيد ، وترحل الغربان ، وتضيء شمس الحريه ، يتضح ما كان مبهماً ،وينكشف ما كان مستوراً ، وتتوافر الأجابات الصادمة للأسئلة الحائرة ، يصبح متاحاً للذين انخدعوا طويلاً أن يعرفوا أن : -نظاماً طالما ادعى كذباً تبنيه للإشتراكية ،يمكن بلا خجل أن يتحالف مع الرأسمالية ،والإحتكار ،ونهب المال العام ،بل وأن يقيم قواعده على هذه الأسس . -نظاماً تغنى بعلمانيته طويلاً ،يمكن أيضاً أن يتحالف مع احزاب طائفية ،بل يمكن أن يكون هو ذاته نظام طائفي بامتياز . -نظاماً لا يكف عن إدعاء الحرص على الوحدة ، يخاصم بكل قسوة توأمة (البعثي )،في العراق ،بل ويحالف من حاربه لثماني سنوات . -نظاماً تكون ( الحرية)،تاني ثلاثية بنائه العقائدي ((وحدة ..حرية ..إشتراكية )) ،يقوم على العبودية للقائد الأوحد ،والركوع له ،يملأ الوطن بالسجون والمعتقلات ،يكافئ كتبة التقارير ، والشبيحه. ممكن جداً. إن نظاماً كهذا يمكن في لحظة ما أن يترك من انخدعوا به لأقدارهم ، أقول للذين ما زالوا يبحرون مع النظام في الزورق الممتلئ ثقوباً انكم غارقون حتماً ما لم تقفزوا منه ،وسريعاً ،اللهم قد بلغت .....اللهم فاشهد
-
عندما ينكسر القيد (1)(((وضعت رحلة البعث في لبنان أوزارها. جيشٌ بقي ثلاثين سنة وانسحب تاركاً بعثيين لم يستطيعوا حماية مكتبهم الذي أحرقه مناصرو تيار المستقبل. رحلة لم أحظَ خلالها بجواب واحد يتعلق بالحلف بين المنادين بالاشتراكية والرأسمالية التي كبدتنا ديناً بخمسين ملياراً، أو الحلف بين جماعة الوحدة والأحزاب الطائفية، أو بين الدفاع عن الحرية ومكافأة كتبة التقارير. رحلة انتهت بحسرة على من بقي من المؤمنين في الحزب وعلى بيع مقره في الكولا. رحلة سجلت أكبر اعتذار في التاريخ لصناع التاريخ، الاعتذار للملايين المنتظرين تجسيد المبادئ لتوحيد الأمة، الاعتذار لزكي الارسوزي وميشال عفلق وحافظ الأسد الذي أصبح عنوان صورته في سوريا رئيس الجمهورية، باني سوريا، أو القائد الخالد... من دون أي ذكر للبعث. ))). الكلمات أعلاه ،هي للصحافي اللبناني في تليفزيون (الجديد) حسين خريش ، هنا في جريدة (الأخبار)، العدد ٢ ٦ ٠ ١ تاريخ ٩ /٣ /٠ ١ ٠ ٢ .
-
دققوا في الصورة ،تفهموا ماذادققوا في الصورة ،تفهموا ماذا عنى وليد المعلم ،بشطب أوروبا من الخريطة .
-
يا جماعة لماذا التجني علىيا جماعة لماذا التجني على صلاح الدين؟والله العظيم انا اكره المتشددين ولكنه يقول الحقيقة ان دمشق مزدحمة ولكن ليس بالناس الطبيعيين وانما بالامن حتى الباعة على الارصفة امن وشبيحة لانهم يفتخرون بانفسهم كشبيحة وعندما يكون الازدحام كبيرا فليعلم الجميع ان شيئ ما يحصل انما حسن يقول المسوؤلين يتجولون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ اي كلنا نعرف انهم لا يجروؤن على مغادرة منازلهم الا بمرافقة مليونية ومن اين اتى بها ؟من ناصر قنديل مثلا؟اسمح لنا يا حسن عليق المقال فيه الكثير من اللاواقعية وشكرا.
-
هود المعارضين موشاطرين غيرهود المعارضين موشاطرين غير يقولو شبيحة حتى الشبيحة وصلوا لفرنسا وتركيا مصر عكل حال الله يحمي الشبيحة لانو الشعب كلو شبيحة بنظر الفوار مع تحياتي استاذحسن
-
نقطة انتهىكنت ناوي حاورك بالموضوع يا صلاح الدين لكن جملتك نقطة انتهى خوفٌتني كتير وقلت لحالي شو بدي بهالشغلة احسن مايقيم عليي الحد وينقطع راسي او باحسن الاحوال انجلد شي 100 جلدة. وبعتذر منًك يا ثوري ويا ديمقراطي ويا حر.
-
هدوء ما قبل العاصفةفي دمشق لا شيء يوحي بثورة الا ترى كثرة الحواجز الامنية و السواتر الرملية و عناصر الامن والشبيحة في الشوارع.عناصر الامن والشبيحة هم من يتجول في الشوارع لوأد اي تجمع لشباب فسوف يخرجون لفض التجمع حتى من بواليع الصرف الصحي فيا سيد حسن عليق على من تضحك علينا نحن الذين نعرف البير وغطائه أم على الناس الذين لا زالوا مترددين أم على عصابات الامن والشبيحة لرفع معنوياتهم المنهارة. سيد حسن الشعب السوري قالها وبصريح العبارة ( إما أن نحول سوريا إلى جنة أو نذهب نحن إلى الجنة )نقطة أنتهى هذا النظام لبس له مكان في سوريا الجديدة ولو أجتمعت معه الجن والانس مو بس الصين و روسيا وايران .