الخرطوم | جوبا | لم يمثل الهجوم، الذي قالت دولة جنوب السودان إنها شنته على منطقة هجليج وأكده السودان، مجرد معركة في خضم المساجلات العسكرية على طول الشريط الحدودي المهترئ بين البلدين منذ أن افترقا شمالاً وجنوباً في التاسع من تموز من العام الماضي، بل أصبح نقطة فاصلة في علاقة البلدين التي تعاني تدهوراً ملحوظاً. فبعدما تنفس سكان البلدين الصعداء بعد توقيع السودان وجنوب السودان مبدئياً على اتفاق الحريات الأربع «التنقل والتملك والعمل والإقامة» في 14 آذار الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، جاءت العمليات العسكرية في الساعات الأخيرة، والتي تعد الأكبر حجماً بين الشمال والجنوب، لتعيد الأمور إلى الوراء. وأهمية الاشتباكات الواقعة في منطقة هجليج تكمن في كونها دارت في أهم منطقة استرتيجية عند السودان في الوقت الراهن، حيث تقع هجليج في منطقة تعوم على بحيرة من النفط في القطاع الغربب من ولاية جنوب كردفان. كما أنها لا تبعد كثيراً عن أبيي المتنازع عليها بين الدولتين.

وأكدت الخرطوم سيطرتها على منطقة هجليج بعد هجوم قالت إن الجيش الشعبي، التابع لدولة جنوب السودان، نفذه على المنطقة أول من أمس، نافيةً حديث جوبا عن سيطرتها على هجليج ورفضها الخروج منها إلا بعد ترسيم الحدود. ورداً على التطورات، أعلنت الحكومة السودانية إلغاء زيارة الرئيس السوداني عمر البشير التي كانت مقررة لجوبا في الثالث من نيسان المقبل. كما أصدر البشير مرسوماً جمهورياً شكل بموجبه لجنة عليا للتعبئة والاستنفار أسند رئاستها إلى نائبه الأول علي عثمان طه. وحدد البشير اختصاصات تلك اللجنة في وضع الترتيبات اللازمة «لنفرة الردع الكبرى» وتهيئة المعسكرات لإعداد المقاتلين.
في موازاة ذلك، قال نائب الرئيس السوداني إن الحرب ليست أولوية بين البلدين، لكنه أردف قائلاً، في تصريحات بثها تلفزيون السودان الحكومي، «لا ندعو إلى الحرب لكن إذا اعتدى علينا فسنرد الصاع صاعين، الآن لا مكان للتفاوض، جميعنا خلف القوات المسلحة بالميدان».
أما المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، الصوارمي خالد سع، فأكد أن قواته صدت هجوم قوات الجيش الشعبي على منطقة هجليج «وحرمتهم من تحقيق أهدافهم في احتلال المنطقة، والذي استخدموا في سبيله كل أنواع الخديعة والغدر واستخدام السلام كمطية»، في إشارة منه إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من دولة جنوب السودان للخرطوم برئاسة باقان أموم كبير مفاوضي دولة جنوب السودان واختتمت يوم الجمعة الماضي.
كذلك أصدر وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، عبد الله مسار، بياناً انتقد فيه الهجوم على هجليج، نافياً سيطرة الجيش الشعبي على البلدة، معتبراً أن التقارب الذي حدث بين البلدين فى الفترة الماضية «تضليل وخداع». ورأى «أن ما تم ينم عن حقد دفين على السودان وشعبه وعلى القوات المسلحة السودانية».
على المقلب الآخر في جوبا، سعت حكومة جنوب السودان إلى تأكيد رغبتها في الحفاظ على حد أدنى من العلاقات مع الشمال، مؤكدةً رفضها الانجرار إلى «حرب مجنونة»، وواضعةً ما جرى في سياق ايصال رسالة واضحة بأن «جوبا قادرة على الدفاع عن اراضيها وسلامتها».
الموقف الأبرز من جنوب السودان، جاء على لسان الرئيس سيلفاكير ميارديت الذي كان أول من أعلن عن الاشتباكات الحدودية. وأكد رئيس الدولة الوليدة صراحةً لدى افتتاح اجتماع مجلس التحرير الوطني للحركة الشعبية لتحرير السودان الذي تحول إلى الحزب الحاكم، أن جيش جنوب السودان قد استعاد منطقة هجليج التي تقع في ولاية الوحدة الحدودية، مشدداً على تبعية المنطقة لجنوب السودان، وذلك بعد تأكيد أن تحرك قوات جنوب السودان جاء رداً على قصف القوات النظامية السودانية لمناطق في ولاية الوحدة، أعقبه هجوم للقوات المسلحة السودانية وميليشيات.
من جهته، أوضح الناطق الرسمي باسم جيش جنوب السودان، العقيد فليب اقوير بانينج، أن المواجهات في أول اشتباك من نوعه منذ استقلال دولة جنوب السودان تواصلت أمس وأسفرت عن وقوع ضحايا، وذلك على عكس ما قاله الناطق باسم الجيش السوداني من أن هناك اشتباكات محدودة، وذلك في وقتٍ تزداد فيه الحاجة إلى ارساء اتفاق شامل ينهي الصراعات بين البلدين ويضع حداً للتدهور في الاوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على جانبي الحدود.