سيناء | تحديات كثيرة تواجه قلّة من الصحافيين يحاولون الوصول إلى أرض عمليات الجيش في المنطقة الحدودية من سيناء. زميل يعمل في جريدة موالية للجيش جرى اعتقاله ومحاكمته عسكرياً لكشفه حقيقة قصف جوي طال قريته في شمال سيناء، ونقاط تفتيش منتشرة بطول الطريق الدولي، الذي يتم إغلاقه تماماً في نقاطه المفصلية، ومخاطرة بالاستهداف من قبل الجماعات المسلحة، وغيرها من عقبات تخطتها «الأخبار» بمعاونة أدلتها الاسترشادية المحلية. بعد جولة في قرية المهدية المثيرة للجدل والشبهات، حيث رفض الأهالي الإدلاء بأي تصريحات صحافية رغم سماحهم بتصوير الدمار الهائل الذي تعرضت له محلاتهم وبعض منازلهم الفاخرة، توجهت «الأخبار» إلى قرية اللفيتات في الجنوب الشرقي من مدينة الشيخ زويد، حيث تداول المحليون أخباراً عن مقتل أطفال ونساء بالقرية. مثار الاستغراب أن اللفيتات، التي يكاد ينحصر نشاط أهلها في زراعة الزيتون، لم تشتهر بإيواء أي مطلوبين أو تجمعات لجهاديين أو تكفيريين. استغراب زال في نهاية رحلة شاقة اختلطت فيها آثار مطاردة المطلوبين بالدمار الذي طال مئات الأبرياء، كانت النسبة الأعلى بينهم من نصيب اللفيتات.
على تل بالقرب من نقطة تابعة لذوي القبعات البرتقالية، أي القوات متعددة الجنسيات والمراقبين، التي تراقب الالتزام بالملحق الأمني لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وقفت دبابة مصرية في الصباح الباكر من الجمعة الماضية وقصفت مسجد القرية وعدداً من المنازل التي لم يغادرها قاطنوها. رواية تكررت على لسان سكان القرية الذين جابوا أرجاءها مع «الأخبار» لتوثيق الدمار الذي لحق بهم والدماء التي سالت من أبنائهم.
عدد لا يحصى من المنازل المهدمة جراء قصف المدفعية، فضلاً عن مدرسة اعدادية بُنيت بجهود أبناء القرية الذاتية. أحدهم يشير إلى الغرفة التي احتمى بها النساء والأطفال قبل قصف الغرفة المجاورة فدمرت تماماً.
صار دمار المنازل وإحراق الأثاث بلا سبب حظاً سعيداً مقارنة بمن طال القصف والإحراق أجسادهم داخل بيوتهم. يروي أحدهم لـ«الأخبار»، وقد كان في بيته مع أمه وأخيه حيث أصابت القذيفة رأس أخيه، وأصابت الشظايا رجليه. في مخالفة للأعراف البدوية، تحدثت أمه إلى الغرباء وحكت عن ابنها الذي ظنت أنه سيموت في حضنها لمنع سيارات الإسعاف من الوصول. قالت إن القوات متعددة الجنسيات هي التي قدمت الإسعاف لابنها وتوسطت لدى السلطات المصرية من أجل السماح لسيارة الإسعاف بأن تنقله وأخاه إلى المستشفى.
بعد عشر ساعات، وصل المصابان إلى مستشفى العريش العام على مسافة 35 كيلومتراً، وبعد عشر ساعات أخرى غادراها؛ أحدهما إلى العناية المركزة في المستشفى الجامعي بالإسماعيلية حيث الرعاية الصحية المفقودة في شمال سيناء، والآخر عاد إلى قريته حيث التقته «الأخبار» وأمه بعد يومين من الواقعة ووثقت شهادتهما.
في مستشفى العريش، ترقد نورا أبو ملحوس فاقدة للوعي في قسم الحروق مع مرافقاتها من أهلها اللواتي أخبرننا بأن طفليها الحسن ومريم قد قتلا مع طفلين آخرين جراء القصف المدفعي على منزلهم وهم لا يزالون بداخله. ابنتها الثالثة تم تحويلها إلى مستشفى الإسماعيلية الجامعي لخطورة حالتها.
مع انتهاء جولة «الأخبار» في اللفيتات، كانت جماعة «أنصار بيت المقدس» السلفية الجهادية قد أصدرت بيانها الإعلامي الثاني بخصوص العمليات العسكرية الموسعة في سيناء بعنوان «ويستمر الإجرام .. مجزرة اللفيتات». اتهمت الجيش بأنه لم يحذر الأهالي قبل قصف اللفيتات خلافاً لعملياته السابقة في القرى المجاورة، مما ترتب عليه مقتل عدد من المواطنين داخل منازلهم.
إجمالي ضحايا القصف على قرية اللفيتات سبعة مدنيين؛ منهم أربعة أطفال وامرأتان وشاب تم دهسه بالمدرعة أمام أهله. اللافت في هذا الحصر أنه مطابق لما أورده بيان «أنصار بيت المقدس»، مما يعني أنهم نافذون مجتمعياً ومختلطون تماماً بالأهالي.
مئات الفوارغ من الرصاص متعدد الحجم تناثرت متقاربة فوق بقعة سوداء تبين في ما بعد أنها أثر العبوة الناسفة التي استهدفت سيارة ذات دفع رباعي تابعة للجيش، أغلب الظن أنها السيارة «لاند كروزر» التي أرفقت صورتها بعد تدميرها مع البيان الأول لجماعة «أنصار بيت المقدس» الصادر يوم الأربعاء الموافق 11 أيلول الماضي.