أشارت تقارير دبلوماسية وصلت بيروت خلال الفترة الأخيرة وأبرزها منسوب إلى مصادر روسية، إلى دور كبير للرياض في تقويض مكانة الرئيس المصري محمد مرسي لدى الإدارة الاميركية، وأيضاً في الداخل المصري. وفي تفاصيل ما ورد فيها، أنّ «السعوديين أبلغوا وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته الأولى للمنطقة أنّ الرياض ليست مرتاحة لتجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر، لكونها ستشجّع على تعميم حالة وصولهم إلى السلطة في دول أخرى، الأمر الذي يتضارب مع الأمن القومي للسعودية». وصارحت الرياض كيري، بحسب التقارير عينها، «بأنها تقوم بدعم معارضي مرسي في مصر وحتى بتمويلهم، وأنها تضمن أن يؤدي السلفيون دوراً بديلاً للإخوان لتمثيل الحالة الاسلامية الحركية، في مصر وغير مصر، مع تأكيدها على أنّ هؤلاء سيكونون تحت سيطرتها ولن يمثلوا خطورة على الغرب، سواءٌ في مصر حيث تضمن أن ينضموا إلى الحراك السياسي الواسع ضد مرسي أو في سوريا، حيث سيصطفّون أيضاً وراء الجيش السوري الحر وقوى مدنية معارضة».
وتلفت مصادر اطلعت على هذه التقارير إلى أنّ هذا التوجه السعودي، وجد ترجمته العملية، بخاصة، من خلال موقف حزب النور السلفي في مصر الذي انفصل عن مشروع دعم «الإخوان» هناك، لمصلحة انضمامه إلى حراك «٣٠ يونيو» المؤيد من الجيش المصري. وأيضاً من خلال أنّ الملك عبد الله كان أول زعيم عربي هنّأ الجيش والرئيس المصري الموقت بحماسة بانتقال الحكم إليهما.
وتورد هذه التقارير تفاصيل عن لقاء أجراه رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، في دولة أوروبية، مع مسؤولين من الاستخبارات الأميركية، قبل نحو ثلاثة أشهر لبحث تفاصيل على صلة بمطلب السعودية اسقاط نظام «الإخوان» في مصر، وقدّم فيه بندر ضمانة سعودية باحتواء التطرف السلفي في المنطقة بمقابل انهاء صعود «الإخوان» فيها.
وتقول هذه التقارير إنّ «الفيتو» السعودي على الإخوان المسلمين يشمل كل وجودهم في المنطقة، ومنها سوريا التي زخمت الرياض أخيراً من دعمها لبيئات سنية معارضة مختلطة غير إخوانية، تتكوّن من ضباط منشقين عن النظام يعملون ضمن الجيش السوري الحر، وأيضاً قوى مدنية أخرى إضافة إلى لواء التوحيد المحسوب على التيار السلفي في سوريا والمسؤول عن معركة حلب. ويمثل «رئيس أركان الجيش السوري الحر» سليم إدريس نقطة تقاطع أساسية بين الرياض وواشنطن، لجهة تركيز جهودهما على دعمه لتصدّر المعارضة السورية.

باريس

وتلفت هذه التقارير إلى أنّ أمارات ضعف مرسي على الصعيد الدولي، أخذت تتراكم منذ بدايات هذا العام. ومن الواضح أن الأصابع السعودية الخفية كانت وراء ذلك، وقد استفادت بالأساس من تناقضات ظهرت بين بعض عواصم أوروبا، وبالأخص باريس، وحكم «الإخوان» في مصر. وتوضح أن زيارته لـ«الأليزيه» يومي ٣١ كانون الثاني والأول من شباط الماضيين لم تكن ناجحة، حيث عكّر صفوها على نحو جوهري تباين نظرة كل من مرسي وهولاند حول أزمة مالي، إذ إنّ موقف القاهرة رفض التدخل الأجنبي في مالي، ولم تشر صراحة تصريحاتها الرسمية حولها، إلى ذكر الارهابيين، مما استدعى اعتراضاً فرنسياً لدى سفارة مصر في باريس، وأيضاً لقاء الرئيسين هولاند ومرسي في «الإليزيه».
لقد جاءت زيارة مرسي الباريسية غداة ذكرى السنة الأولى للثورة المصرية، وبعد صدور الحكم في حادثة بورسعيد في ٢٦ كانون الثاني، مع ما شاع حينها من توقع أنّ تستدعي هاتان المناسبتان توترات أمنية شعبية في مصر. وقد أشار هولاند إلى ضيفه بأنّ القلق لا يزال يسود حول عمق الاستقرار في مصر» (!).

الرياض والدوحة

وتبرز هذه التقارير، أيضاً، أنّ الرياض عملت أخيراً لدى قطر على إقناعها بتفكيك علاقتها مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو احتوائه باتجاه عقد مصالحة مع السعودية على أساس شروط الأخيرة. ويأتي التغيير في الحكم القطري في بعض جوانبه المتصلة بمضمون دور الدوحة الخارجي الجديد، ليصبّ في خدمة الاستجابة لهذا المطلب السعودي.
وتبرز أنّ التحول المستجد داخل الحكم في قطر، استند إلى الحاجة لتحقيق مجموعة أهداف جديدة؛ أولها تغيير فلسفة دور قطر من دولة بدور خارجي كبير بمعزل عن السعودية إلى دولة تعود إلى فلسفتها التقليدية المتمثلة في التماهي مع الدور السعودي في السياسة الخارجية.
ويفرد أحد هذه التقارير تعريفاً لنوعية هذه «النقلة في الدور القطري»، حيث كان الشيخ حمد بن جاسم من أبرز أقطاب «فلسفة الدور» التي تهالكت الآن مع وصول الأمير تميم للحكم. وكان مفادها أنّ على قطر أداء دور خارجي كبير يعتمد في اثبات حضوره الميداني واللوجستي على أن يوظف لمصلحته انتشار الإخوان المسلمين في دول الاقليم. وجرى «تشريع (تبرير) تمويله»، انطلاقاً من مبدأ أنّه «يجب تسييل امبراطورية الثروة النفطية لقطر (طفرة الغاز) في خدمة بناء دور خارجي استراتيجي يجري تثميره أيضاً في حماية موقع قطر فوق خارطة معادلات المنطقة السياسية والاقتصادية والنفطية، ولا سيما الغاز، المتسمة بالتحول».
ويلفت التقرير إلى أنّ الأمير تميم الذي سيحكم بالاستناد إلى دعم عائلة والدته الأميرة موزة (آل المسند) المهيمنة على المؤسسات الأمنية القطرية، كان يعدّ عقائدياً مؤيداً للإخوان المسلمين، كما كان له صلات مع أطراف «إخوانية» في المعارضة السورية حيث قام بدعمها فعلاً. ولكن تميم وفق صيغة ولايته الجديدة سوف يهتم بالتكيّف مع أمرين، أولهما ترسيخ سلطته الداخلية الوليدة، وثانيهما تعميق علاقته مع السعودية والأمراء الشباب من الجيل الثاني فيها، الذين باشر الملك عبد الله منذ أكثر من ثلاثة أشهر، باجراء ترتيبات داخلية من أجل نقل السلطة إليهم (محمد عن أولاد نايف، متعب عن أولاد عبد الله، بندر عن أولاد سلطان، فيما مقرن يقوم بدور ضمان سلاسة انتقال الملك من الجيل الأول إلى الجيل الثاني بعد مرحلة كلّ من الملك عبد الله وولي عهده سلمان).
وضمن هذا الإطار يجري تنسيق انسجام لمنظومة حكم شابة في كل من قطر والسعودية خلال الفترة المقبلة، أبرز سماتها أنّها في الأولى خالية من أية تأثيرات لحمد بن جاسم فيها سواء اقتصادية أو سياسية على مستوى فلسفة الدور الخارجي، وفي السعودية خالية من أي تأثير لنفوذ أمراء الجيل الأول كأثقال تورث للجيل الثاني.

دمشق

ثمة تأكيد على أنّ للانقلاب الحالي في مصر الذي تشير هذه التقارير إلى أنّه ذو خلفية أميركية _ سعودية، موقعاً مهماً جداً على مستوى تحقيق أهداف لاحقة له على مستوى المنطقة، أبرزها: إعادة دور الجيوش كبنية اجتماعية _ عسكرية في لجم صعود الإخوان المسلمين في الدول العربية، إضافة إلى تعميم ما حصل في مصر على دول عربية أخرى، وبخاصة سوريا، حيث المطروح العودة إلى طرح روسي قديم كان قد رفضه النظام والمعارضة حينها، ولكن هذه المرة مع اجراء تطوير عليه، ومفاده بحسب نسخته الروسية القديمة إنشاء مجلس عسكري يشرف على الفترة الانتقالية في ظل بقاء الأسد لغاية انتخابات العام المقبل، ويتكوّن من ٧ ضباط علويين و٤ ضباط سنة وضابط مسيحي. والتعديل الحالي يلحظ خفض عدد الضباط العلويين إلى أربعة وتمثيل السنة بثلاثة ضباط (يمثلون المدن الثلاث، حمص التي منها سليم إدريس، وحلب ودمشق) والأقليات بضابطين.