في مطلع شباط الماضي، استطاعت قوات «التحالف» التي تقودها السعودية، بعد مئات الغارات الجوية، بسط سيطرتها على ممر جبلي استراتيجي يبعد عشرات الكيلومترات شمالي العاصمة اليمنية صنعاء. هذا «الإنجاز» رأوا أنه الأهم بالنسبة إليهم منذ بدء الحرب في آذار من العام الماضي. شعرت السعودية آنذاك بأن الأمور باتت تسير كما تشتهي، وبدت تتحرك سياسياً على أساس أنها جاهزة لقطف الثمار وتفرض شروطها. في المقابل، كانت القيادات السياسية في صنعاء تعمل على التوصل إلى إيجاد حل سياسي بناءً على القرارات الدولية والمبادرات السياسية ووساطة الأمم المتحدة. لهذا السبب، زار المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، مسقط أوائل شباط، وأجرى مشاورات مع وزير الدولة السعودي مساعيد العيبان، وهو «صندوق أسرار الدولة» وأبرز رجال الملك سلمان، واشتهر بترسيم الحدود مع اليمن ومع دول الخليج وحل المشكلات الخليجية والقضايا الداخلية. كما تشاور مع رئيس الاستخبارات السعودية، خالد الحميدان، المعروف بأنه الذراع اليمنى لولي العهد، محمد بن نايف.
لم يأت ولد الشيخ على ذكر الأوضاع الإنسانية في رسالته

نقل ولد الشيخ إلى المسؤولين السعوديين استعداد حركة «أنصار الله» لاستئناف المباحثات مع السعودية وجهاً لوجه، وبدا الرجلان مرتاحين كما نقل ولد الشيخ في رسالة سرية بعثها إلى الدائرة السياسية التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة، اطلعت «الأخبار» عليها. وعزا ذلك الارتياح إلى أن القوات السعودية وحلفاءها كانوا على أبواب فرضة نهم بعد السيطرة على الحامية العسكرية هناك. ويضيف ولد الشيخ: «شعروا بأن بوابة صنعاء كانت مشرعة أمامهم، وأن قيادات أنصار الله في وضع يائس. بل كثرت الشائعات في أوائل شباط عن أن قيادات الحوثيين فرّت إلى خارج البلاد، أو لجأت إلى مغاور نائية للنجاة بنفسها وأن القلق يسود القوات واللجان الشعبية في صنعاء».
وكشف ولد الشيخ في رسالته، «رحّبا (العيبان والحميدان) بالتقدم المتحقق وعبرا عن التزامهما المضيّ قدماً في ذلك المسار، كما شددا على أنه في ظل التقدم الذي حققه التحالف على الأرض واقترابه من صنعاء، ينبغي على الحوثيين أن يغتنموا الفرصة ويحاوروا بنيات حسنة كونهم في وضع ميداني ضعيف وخياراتهم تضيق».
في المقابل، لم تشأ السعودية في تلك الحالة رفع مستوى تمثيل مندوبيها للمباحثات المباشرة. وأوضح ولد الشيخ نقلاً عن المسؤولين السعوديين أن الرياض رفضت رفع تمثيل الطرفين بناءً على طلب المتحدث باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام. وقال حرفياً نقلاً عن الرياض «لا ينبغي أن يتوقع الحوثيون تمثيلاً أرفع في هذه المرحلة».
وأضاف أن السعودية وافقت على مقترح قدمه محمد عبد السلام بإجراء اللقاء في دولة ثالثة كالأردن. وكان عبد السلام قد اقترح الأردن أو المغرب طبقاً لما ورد في الرسالة.
ويضيف ولد الشيخ أنه أجرى يومها اتصالاً هاتفياً بعبد السلام من الرياض لكي يشرح له نتائج اللقاء مع المسؤولين السعوديين، لافتاً إلى أن عبد السلام أجاب بأنه سينقل هذه النتائج إلى قيادته ويعود إليه. وقال ولد الشيخ في رسالته «لو قبل الحوثيون اللقاء الحوثي ــ السعودي، فإن اللقاء سيتم في الأردن الأسبوع المقبل»، أي في أواخر شباط الماضي، مضيفاً «نحن لن نشارك بالطبع ولن نحضر». وأشار إلى أنه بدأ يتصل بسفير الأردن في اليمن حسب المقتضى.
إلا أن الوضع الميداني تبدل بسرعة يوم شن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» هجوماً مباغتاً على معسكرات قوات «التحالف» واستعادا فرضة نهم وقتلا وجرحا وأسرا المئات من الجنود والمرتزقة، وتوغلا داخل الحدود السعودية معززين مواقعهما في الربوعة وشرق الخوبة ودمرا مواقع استراتيجية للقوات السعودية. وكان رد الطيران السعودي بشن مئات الغارات على المدن السعودية التي اقتحمتها القوات اليمنية، لكن من دون أن تحقق نتائج تذكر على الأرض.
لم يزف ولد الشيخ اتفاقاً لوقف القتال إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة كثمرة لمساعيه وجهوده، لكنه وكما عرف عنه منذ تعيينه في المنصب بطلب ووساطة من السعودية فهو يمارس سياسة منح «التحالف» السعودي الوقت اللازم من أجل تغيير الواقع على الأرض لمصلحة السعودية. وقال إنه يأمل أن يستطيع الضغط لتخفيف حدة القتال عبر لجنة التهدئة والتنسيق، فضلاً عن إتمام مبادرات اقتصادية «ولا سيما المتعلق منها باستقلال البنك المركزي وإنعاش صندوق الضمان الاجتماعي». بعبارة أخرى استخدام سياسة الترغيب والترهيب.
ويلاحظ أن مهمة ولد الشيخ تركزت على متابعة نشاطات إدارية يمنية تتعلق بتعزيز المؤسسات اليمنية الضعيفة الحضور والضئيلة التأثير في المناطق التي تزعم أنها تسيطر عليها. وقال إنه التقى مع وفد من حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي وشدد في لقائه على أهمية مشاركة الحكومة في لجنة التهدئة والتنسيق، وفي دورات التدريب التي ينوي ترتيبها في عمان خلال الأسابيع اللاحقة. وأبلغه سفير المملكة المتحدة أن وزارة الخارجية البريطانية ورئيس وفد الحكومة اليمنية عبد الملك المخلافي، ردوا بشكل إيجابي على مقترحه.
لم يأت ولد الشيخ على الأوضاع الإنسانية المستفحلة في اليمن في رسالته، رغم أن الأمانة العامة ومكتب تنسيق المعونات الإنسانية كانا يعبران في كل تقاريرهما عن السخط البالغ جراء تفاقم الأوضاع الإنسانية والإحراج الذي تواجهه الأمم المتحدة كون نداءاتهما لإغاثة المدنيين ولجمع المعونات تذهب أدراج الرياح. فثمانون في المئة من اليمنيين في حالة عوز شديد، وهناك مليونان على حافة الموت من شدة شح الغذاء والماء والدواء في اليمن، وفق التقرير الذي قدمه ستيفن أوبرايان، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف الشهر الماضي. بينما بات الوصول إلى أماكن النازحين محفوفاً بالخطر الشديد من القصف الجوي الذي تتعرض له المناطق كافة والتي لم تسلم منها المستودعات والمستشفيات وحتى البعثات الدبلوماسية.
ولد الشيخ أحمد تحدث عن تطورات اقتصادية إيجابية «تمت بمساندتي أيضاً» لجمع وزراء من حكومة هادي مع محافظ البنك المركزي اليمني من صنعاء. وأوضح «شارك وزير الخارجية المخلافي في اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي في عمان، والذي عقد الأسبوع الماضي، إلى جانب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي. وأشاد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، المخلافي، بأهمية مشاركة المحافظ من صنعاء وكان ممتنّاً لجهودي الشخصية لأن أؤمن مشاركته مع الحوثيين. وهذا ما رأت فيه حكومة اليمن خطوة أساسية ضمن إجراءات بناء الثقة».