بغداد | «بغداد في حالة إنذار»، هذا ما كان يتهامس به شرطيان بالقرب من نقطة التفتيش التابعة لهما في العاصمة، وذلك على خلفية ما شهدته مدينة الفلوجة من إطلاق رصاص حي من قبل الجيش على المتظاهرين، سقط على أثره 6 ضحايا، فيما تعرض مقران عسكريان للقصف بقذائف هاون وصواريخ «غراد»، يوم أمس فقط. هذه الأحداث يقابلها استقطاب طائفي في المناطق الشيعية، مناهض لاستهداف العسكريين ومستنكر لمطالب المتظاهرين في المناطق السنية، لكنها في الوقت نفسه جددت الحديث عن مخاطر انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية، وعادت بالكثيرين الى الوراء إلى أيام الاقتتال التي شهدت البلاد ذروته خلال عامي 2006 و2007. وبالرغم من أن مجلس النواب انعقد بعد مرور يوم واحد على «أحداث الفلوجة» ليصوّت على تحديد ولايات رئيس الوزراء، إلا أن هذا التحرك وباعتراف الأوساط المختصة، لن يُسهم كثيراً في تخفيف حدة الأزمة الحالية.
الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي لم يخف تخوفه من إمكان تجدد مشاهد الاقتتال، قائلاً لـ«الأخبار» «نعم من الممكن جداً أن نشهد مظاهر الحرب الأهلية مرة أخرى، هناك أدلة وقرائن كثيرة تبرهن على ذلك، ففي الفترة التي كان يتصدى فيها الشيخ أحمد الكبيسي، ذو المواقف المعتدلة لزعامة هيئة العلماء المسلمين في العراق، تلقى تهديداً من رئيس الهيئة حارث الضاري، الأمر الذي دفع الكبيسي للسفر الى خارج العراق ودخلت البلاد آنذاك في النفق المظلم».
وبيّن أن «السيناريو يتجدد، حيث تم تهديد عبد الملك السعدي الذي هاجر أخيراً الى خارج البلاد، ولذا فإنه يتم التحضير لما هو أخطر من ذلك الذي شهده العراق خلال أعوام الاقتتال السابقة».
وأوضح الشريفي أن «الوضع حالياً أخطر من السنوات السابقة، ذلك أن تنظيم القاعدة كان منبوذاً من قبل شيوخ العشائر في المحافظات السنية، أما الآن فهناك حالة تحشيد وتحريض على العنف يمارسها شيوخ العشائر أنفسهم وأعني تحديداً شيخ عشيرة الدليم علي حاتم السليمان، حيث إننا نسمع حالياً عن استهداف حقيقي للجيش في تلك المحافظات بصواريخ متوسطة المدى». وأشار الى أن «القوات الأميركية كانت تمارس ضرب تحركات القاعدة، أما الآن، وبعد انسحابها من العراق، فإن الوضع سيكون أكثر صعوبة، ذلك أن الجيش العراقي يعاني الضعف وشحة التجهيزات العسكرية، بالإضافة الى عدم ولاء بعض من عناصره لمفاهيم الوطنية».
وعن الخطوة التي اتخذها البرلمان العراقي لناحية تحديد ولايات رئيس الوزراء، ذكر الخبير الاستراتيجي أن «تحديد ولايات رئيس الوزراء لن يُسهم في تخفيف حدة الأزمة، لأن مطالب المتظاهرين تتجاوز هذه الطروحات، ومنها إلغاء هيئة المساءلة والعدالة، بالإضافة الى دعوتهم الصريحة لإسقاط الحكومة».
من جهته، أكد النائب عن القائمة «العراقية»، محمد إقبال، أن «حادثة الفلوجة مؤشر ينذر بالخطر». وذكر أن «الحكومة وبقية الأطياف السياسية، معنية بتقديم مبادرة متكاملة مبنية على نظرية واضحة في حل الأزمة في إطار تشريعي وقانوني ووفق إجراءات محددة وبسقوف زمنية، أما أن يترك الموضوع لردود الأفعال ومبارزة بعض السياسيين في الإعلام فسيؤدي الى تأجيج الوضع في البلد».
وأضاف إن «حادثة الفلوجة أول اختبار تفشل فيه الأجهزة الأمنية بشكل ذريع ولم تستطع احتواء الجماهير»، موضحاً أنه «حتى لو كانت هناك ردود أفعال من قبل الجماهير، كان ينبغي أن يكون رد فعل المؤسسة العسكرية متناسباً مع ما يجري في الساحة».