بعد شهرين قضاهما في جبال مكحول صد خلالهما مع رفاقه عدداً من الهجمات الشرسة التي شنّها عناصر تنظيم "داعش" على تلك المنطقة التي يتنازع عليها التنظيم والقوات المشتركة، بدأ "م.ح" بحزم حقيبته التي تضم بعض احتياجاته ليعود أدراجه مستعيناً بأحد الأصدقاء لاستدانة مبلغ مالي يسد به تكاليف الطريق إلى منزله."م.ح" الذي بدا ناقماً على إجراءات الحكومة من جهة، وهيئة "الحشد الشعبي" من جهة أخرى، في تأخير مستحقاتهم المالية وعدم الاهتمام الكافي بالمقاتلين حتى من ناحية السلامة في المواجهة، يقول إنه ليس نادماً على "تلبية نداء الجهاد عندما أفتت المرجعية بذلك، لكنني حزين وناقم على من يتولى مسؤوليتنا لأنه باختصار جرى بيعنا".
التحديات المالية دفعت إلى تقليص الكثير من نشاطات "الحشد" وإلغاء العديد من مقاره

ويبين "م.ح" أنه شاهد الكثير من زملائه يقضون أمام عينيه أو يصابون بإعاقة بالغة، لكنهم صمدوا بكل ما أوتوا من قوة "من أجل بقاء مكحول عراقية ولا تلوث بدنس داعش". ويضيف "لكن في كل مرة كانت الإجراءات تبعث على المزيد من اليأس والإحباط"، ملقياً باللائمة على بعض السياسيين الذين يتحدثون باسم "الحشد" ويرفعون رايته لكن "التقصير والإهمال للمقاتلين" يتلبسانهم من رؤوسهم إلى أخمص اقدامهم.
وليس ببعيد عن "م.ح" وجد "ش.ع" نفسه فجأة عالة على والده المتقاعد، بعدما أصيب بشظية بقدمه اليسرى أدت إلى إصابته إصابة بالغة دفعت ذويه إلى التنقل به من طبيب لآخر لاستكمال مراحل علاجه الطويلة. "ش.ع" يقول إنه ليس نادماً على الرغم من "الإهمال الذي تعرض له وضيق ما باليد، ذلك أن عائلتي صرفت ما يقارب الخمسة ملايين دينار (4000 دولار) تكاليف الأطباء والعلاج حتى الآن". ويوضح أنه "برغم التحسن إلا أن توقعات الأطباء تشير إلى فترة أخرى من العلاج للتحسن تدريجياً".
تختصر هاتان الحالتان الوضع الذي وصل إليه مقاتلو "الحشد الشعبي" بسبب ما يسميه قادته "الخذلان" الحكومي والبرلماني، لرفض زيادة تخصيصاتهم المالية ضمن موازنة عام 2016، فقد طلب "الحشد" مبلغ 4 مليارات دولار لسد نفقاته، لكن الحكومة اكتفت، بعد التي واللتيا، بتخصيص مبلغ مليار ونصف مليار دولار متذرعة بالتقشف والأزمة المالية والنازحين.
وكان المفتش العام لهيئة "الحشد الشعبي" قد قدم، خلال لقائه رئيس الوزراء حيدر العبادي الأسبوع الماضي، قائمة بأسماء قتلى وجرحى ومعاقي ومقاتلي ومنتسبي "الحشد الشعبي"، إلا أن العبادي رد على ذلك بتوجيه المفتش العام بالتحقيق في آلية توزيع الرواتب لمقاتلي "الحشد" لضمان آلية "عادلة" لتوزيع تلك الرواتب.
وسارعت "هيئة الحشد" إلى دفع الاتهامات التي قد يثيرها توجيه العبادي. وقال المتحدث الرسمي باسم الهيئة أحمد الأسدي لـ"الأخبار" إن "هذا التوجيه لا يعني وجود خلل أو تجاوز في دفع الرواتب". وأوضح أن المفتش العام طلب من العبادي تشكيل لجنة مع المفتشية العامة لـ"الحشد" للإشراف على آلية توزيع الرواتب لـ"إخراس الأصوات المشككة".
في مقابل ذلك، روى أحد المصادر في "الحشد الشعبي" حجم التحديات المالية التي تمر بها الهيئة، والتي دفعت به إلى تقليص وإلغاء الكثير من نشاطاته وإلغاء العديد من مقاره ومكاتبه، فضلاً عن تخفيض رواتب مقاتليه ومنتسبيه إلى النصف أو أقل من ذلك بقليل. ولا يستبعد المصدر، خلال حديثه لـ"الأخبار"، أن تكون التحديات التي يمر بها "الحشد" لها علاقة بـ"الحملة الشعواء والمؤامرات التي تحاك ضد الحشد الشعبي".
المصدر أشار إلى أنه جرى تخفيض مخصصات "الحشد" في موازنة عام 2016 إلى ما يقارب النصف عن موازنة العام السابق، برغم كل الدعوات والمناشدات والضغط الذي مورس على الصعيدين السياسي والشعبي، محذراً من أن يكون إضعاف و"محاربة الحشد الشعبي" مالياً لهما علاقة بما يجري الحديث عنه إعلامياً من إنهاء دور "الحشد" وتفكيكه.