غزة | يتنقل الأسير المحرر حسام حلس من حاجز إلى آخر، على أمل الوصول إلى مسقط رأسه في قطاع غزة، لكن جنود الاحتلال يمنعونه من تحقيق مراده، رغم انتهاء الحرب الأخيرة وسريان التهدئة لأكثر من شهر. وعلى خلاف باقي الأسرى الذين كانت الساعات الأخيرة لهم داخل السجن تمر كالسنوات، زاد حمل حلس، خاصة أنه بعد ست سنوات من الأسر جاء موعد الإفراج عنه خلال حرب شرسة امتدت 51 يوماً. خرج من الأسر. خاطر بنفسه خارجاً من معتقل «نفحة» الصحراوي بعد الإفراج عنه ووصل معبر بيت حانون «إيريز»، شمال قطاع غزة، لكنه اضطر مع اشتداد القصف إلى العودة صوب الضفة المحتلة.
لم تكن هذه المصيبة الوحيدة لحسام، إذ استهدف بيت عائلته في حي الشجاعية، شرق غزة، فدمر المنزل وأصيب عدد من أفراد عائلته بجروح مختلفة، ولا يزال حتى كتابة النص في الضفة، ويصف نفسه بأنه تحول من أسير محرر إلى مشرد. يقول حلس، الذي وصل «إيريز» للمرة الأولى في الحادي والثلاثين من تموز الماضي، إنه فوجئ بإغلاق المعبر بسبب الاشتباكات مع المقاومة، وما آلمه أنه شاهد بعينيه المدفعية الإسرائيلية وهي تطلق قذائفها على القطاع. يضيف لـ«الأخبار»: «تُركت هناك في ساحة المعبر المفتوحة، وقالوا لي: اذهب إلى غزة».
صبر حتى خمس ساعات، وكان يخاف أن يلقى حتفه هناك، حتى أصرت عليه عائلته، عبر الهاتف، على أن يغادر المكان. كذلك اقتنع الضابط الإسرائيلي المسؤول بعد هذه الساعات بأنّ من المستحيل لأي بشر الدخول سالماً إلى غزة من هذا المكان، فالاشتباكات كانت كبيرة وقوية، لذلك استصدر له تصريحاً بالموافقة على ترحيله إلى الضفة بعد الاتصال بالجهات المتخصصة في السلطة الفلسطينية.
هناك بدأت معاناة جديدة لا تزال مستمرة، فهو بلا أقرباء يبيت عندهم، وأكثر ما صدمه أن التصريح الذي حصل عليه فيه بعض البيانات الشخصية غير الصحيحة. اضطرت العائلة مجدداً إلى طلب النجدة من «الصليب الأحمر» لتأمين دخوله سالماً إلى غزة، لكنّ مسؤولاً في المنظمة أخبرهم أنهم «غير قادرين على تأمين وصوله». بعد ذلك، تذكر حلس صديقاً كان معه في السجن من مدينة الخليل، فاتصل به ليبيت عنده عدة أيام، ثم طالبته الاستخبارات الإسرائيلية بالتوجه إلى رام الله، لأن جيش العدو يجري عمليات عسكرية في الخليل.
«منذ إعلان وقف النار وأنا أحاول الوصول إلى إيريز، لكن الجيش يرفض السماح لي بالمغادرة، وعند أول حاجز يصادفني يعيدونني إلى رام الله»، يكمل حسام: «ناشدت المسؤولين في الضفة، لكن لم يستجب لي أحد... ماذا أفعل كي أصل غزة».
وبعد أن عدّد الإجراءات العقابية التي اتخذتها مصلحة السجون ضد الأسرى خلال الحرب، أظهر تحسره على ما بقي من ذكرياته في غزة، خاصة أن الحرب غيرت معالم كثيرة، ولا سيما في حي الشجاعية الذي كانت عائلته فيه، مضيفاً: «حتى البيت الذي كنت أرغب في استرجاع ذكرياتي فيه دمّر».
أما أصعب اللحظات، فكانت يوم مجزرة الشجاعية (20 تموز)، وفي ذلك اليوم «كنا ننظر إلى بعضنا وننتظر سماع أسماء عائلاتنا... لم ننم لأيام طويلة، ونظل نسمع صوت بكاء الأسرى ممن فقدوا شهداء وأعزاء... والله كان أسهل ألف مرة لو كنا تحت القصف وأمام الموت من حالة العجز».
والدة حسام، أم هيثم، تقول لـ«الأخبار»، إنها كباقي أمهات الأسرى كانت تنتظر انقضاء مدة الأسر للإفراج عن ابنها وضمه بين أحضانها، متابعة: «منذ شهور أحضر التجهيزات ليوم لقائه، وأبحث عن عروس له، لكن فرحتنا لم تتم خاصة أنه مبعد، وأخوه هيثم أيضاً أسير محكوم باثني عشر عاماً».
وكان الحظ قد حالف الأسيرين ناهض عطا الله وأسامة الزريعي بخروجهما أثناء إحدى الهدن في الحرب، فاستطاعا الانضمام إلى عائلتيهما ومشاركتهما أحزان الشعب ومعايشة الحرب. كذلك يقبع في سجون الاحتلال زهاء 450 أسيراً من غزة من بين أكثر من 5 آلاف أسير يعيشون أوضاعاً صعبة.