الخرطوم | في الوقت الذي تواصل فيه قوات «الدعم السريع» استباحة قرى ولاية الجزيرة منذ نهاية العام الماضي، وما يصاحب ذلك من انتهاكات وقتل وتشريد لمواطني الولاية، دخلت ولاية سنار إلى دائرة العنف مطلع الأسبوع الحالي، وذلك بعد تمكن تلك القوات من السيطرة على الفرقة «17 مشاة» في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، وبسط سيطرتها على كل ألوية الجيش التابعة للفرقة والاستيلاء على مقر الحكومة.ويجيء هجوم «الدعم» على مدينة سنجة، فيما يحاصر الجيش منذ أسبوع بعضاً من قواتها في جبل مويه شمال سنار، ولا يزال يقاتل في سنجة، حاضرة ولاية سنار، حسبما أشار بيان للمتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله. بدوره، خرج رئيس هيئة الأركان، محمد عثمان الحسين، مهنّئاً جنود «الفرقة 17» في سنجة على «صمودهم واستبسالهم في الدفاع أمام محاولات الميليشيا الإرهابية المتمردة الاعتداء على مدينة سنجة»، فيما بثت «الدعم» فيديوات أكّدت فيها «سيطرتها على مقر اللواء 67 مشاة التابع للفرقة 17 في المدينة».
هكذا، وبين عشية وضحاها، وجد مواطنو ولاية سنار أنفسهم في حالة نزوح سيراً على الأقدام في معظم الأحيان، خوفاً من بطش القوات المهاجمة، بينما اتجه معظم الفارّين من سكان سنجة نحو الشرق حيث مدينة الدندر التي تفصلها 25 كيلومتراً عن سنجة. غير أن إقامتهم في الدندر لم تدم غير ليلة واحدة، حيث دخلتها «الدعم» أيضاً، ونفذت فيها عمليات نهب وسرقة واسعة للسيارات والمواد الغذائية والأموال والوقود والهواتف المحمولة. وفي خلال الأيام الماضية، استقبلت مدينة القضارف، شرق البلاد، المئات من الفارّين من مدن سنار وسنجة والدندر وجميع القرى التي تمّت مهاجمتها من قبل «الدعم». وبحسب شهود عيان، فإن النازحين الذين وصلوا إلى مدينة القضارف «يعانون من أوضاع إنسانية صعبة ونقص في المواد الغذائية ومياه الشرب، فضلاً عن أن «معظمهم لم يجدوا مأوى ويقيمون في الشوارع».
يخشى مراقبون من أن يؤدّي سقوط مدينة الدندر الحدودية مع إثيوبيا إلى فتح باب إمداد لـ«الدعم»


إزاء ذلك، يخشى مراقبون من أن يؤدي سقوط مدينة الدندر الحدودية مع دولة إثيوبيا، إلى فتح باب إمداد بشري ولوجيستي لـ«الدعم»، وخصوصاً بعدما تمّ القبض على العشرات من الإثيوبيين الذين يقاتلون إلى جانب تلك القوات، بينما يبدو موقف أديس أبابا الرسمي داعماً لقائد الأخيرة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الأمر الذي يرجح احتمالية إيصال إمداد عسكري إلى مقاتليه عبر الأراضي الإثيوبية. أيضاً، يبدو أن «الدعم» كانت تمتلك معلومة خلوّ «الفرقة 17» في سنجة، وأن الجيش انسحب منها، ما عدا بعض القلّة من الجنود. ويقول اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، إن «ما عجل في سقوط المدينة وجود الكثير من الخلايا النائمة التي ساعدت على بث الذعر وسط المواطنين». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الجيش يعمل الآن على استعادة سنجة وجبل موية»، في الوقت الذي يستبعد فيه «سقوط مدن أخرى، سواء في القضارف أو غيرها، وخاصة بعد التجربة القاسية التي تعرّض لها الجيش في سنجة وجبل موية». ويلفت إلى أن «الجيش سيعمل على سدّ الثغرات الأمنية وإلقاء القبض على الخلايا النائمة والاستعداد الكامل».
والجدير ذكره، هنا، أنه منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من نيسان من العام الماضي، لم يغيّر الجيش من استراتيجيته العسكرية في إدارة المعركة، والتي تعتمد في معظمها على مبدأ الدفاع، ولا سيما عن مقارّه، وهي خطة يتضح للكثير من المراقبين فشلها؛ إذ إنها لم تنجح في منع حامياته من السقوط في يد «الدعم السريع» في مدن دارفور - ما عدا الفاشر - وود مدني وغرب كردفان والآن سنار، وهو ما أثار تحفظات الكثيرين من الخبراء العسكريين. وبحسب اللواء محمد أحمد، فإن «هناك خللاً في الرؤية القيادية»، وإن «قيادة الجيش تدير المعارك بأسلوب غريب فيه الكثير من علامات الاستفهام». ويوضح أن «قيادة الجيش كان عليها فعل أشياء بديهية في العلوم العسكرية، وهي أشياء واضحة ومهمة للغاية»، مشيراً إلى أن «المقاومة الشعبية أفرغت من مضمونها، حيث لا يوجد في الوقت الراهن مواطنون يحملون السلاح إلى جانب الجيش، رغم التدريب الكبير الذي حصل عليه المتطوعون». وفي هذا الجانب، لا يستبعد «حدوث صفقة تفاوضية يجري التسويق لها بموافقة قيادة الجيش، لقبول «الدعم السريع» كفاعل في الساحة السياسية في فترة بعد الحرب»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر يعدّ كارثة ولن يقبل به الشارع السوداني».