في سياق الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، والتي ارتفعت وتيرتها منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي، نفذت طائرات إسرائيلية اعتداءات جديدة طاولت مواقع في ريف حلب الشمالي، تسبّبت، بحسب بيان لوزارة الدفاع السورية، بارتقاء عدد من الشهداء ووقوع بعض الخسائر المادية، فيما قالت «وكالة أنباء الطلبة الإيرانية»، إنها أدت إلى استشهاد مستشار في «الحرس الثوري» الإيراني، يُدعى سعيد أبيار. وعلى عكس الاعتداءات السابقة التي كان يجري تنفيذها عن طريق صواريخ تطلق من خارج الأجواء السورية، حمل هذا الاعتداء تفاصيل عديدة جديدة، أبرزها اختراق المجال الجوي السوري، بالإضافة إلى استهداف مواقع على خط التماس مع الفصائل المسلحة في ريف حلب الشمالي، بعيدة عن خطوط التماس مع الأراضي المحتلة. وفي السياق، تقول مصادر ميدانية سورية، لـ«الأخبار»، إن الطائرات الإسرائيلية اخترقت الأجواء السورية من فوق منطقة التنف في أقصى جنوب البلاد، حيث توجد أكبر قاعدة أميركية غير شرعية، وحلّقت في مناطق بعيدة عن الدفاعات الجوية السورية قرب نهر الفرات، وهي مناطق تسيطر عليها الولايات المتحدة، الأمر الذي وفّر للطائرات الإسرائيلية خط سير آمناً، والاقتراب من الأهداف وتنفيذ العدوان ومن ثمّ الانسحاب.ولا يعدّ استغلال إسرائيل القاعدة الأميركية في التنف لتنفيذ اعتداءات في سوريا أمراً مستحدثاً، إذ تشكّل هذه القاعدة خطوط تحصين إسرائيلية متقدّمة في الخاصرة السورية الجنوبية، كما ترتبط بتدريب وإمداد فصائل مسلحة، وتؤكد دمشق وموسكو أنها تقدم يد العون لمقاتلي تنظيم «داعش» الذين ينشطون في البادية السورية لشن هجمات على مواقع الجيش السوري، الأمر الذي يدفع روسيا إلى تنفيذ غارات في محيط «التنف» بين وقت وآخر خلال عمليات التمشيط وملاحقة خلايا التنظيم. وآخر هذه العمليات، أعلن عنها نائب رئيس «المركز الروسي للمصالحة» التابع لوزارة الدفاع الروسية، يوري بوبوف، أول من أمس، قائلاً إن الطيران الحربي الروسي قصف قاعدة لـ«الإرهابيين» في منطقة التنف، علماً أن هذا الاستهداف هو الثاني من نوعه؛ إذ دمّر سلاح الجو الروسي، السبت الماضي، مكاناً لانتشار المسلحين الذين خرجوا من التنف وكانوا يختبئون في مناطق يصعب الوصول إليها في سلسلة جبال العمور في محافظة حمص. ويأتي تكثيف الطيران الروسي استهداف الفصائل في محيط التنف بعد تحذيرات عديدة أطلقتها موسكو حول تحركات «غير اعتيادية» في المنطقة، «مرتبطة بالإعداد لهجمات إرهابية في أماكن عامة مزدحمة، ومؤسسات حكومية في سوريا»، وفق ما أورده جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية في وقت سابق، مؤكداً أن «إدارة هذا النشاط الإجرامي تتم في القاعدة العسكرية الأميركية في التنف، حيث يجري تدريب العشرات من مقاتلي تنظيم داعش».
استهدف العدوان مواقع على خط التماس مع الفصائل المسلحة في ريف حلب الشمالي


وخلال الأشهر الماضية، أرسلت الولايات المتحدة إمدادات عسكرية كبيرة إلى «التنف» الواقعة في منطقة استراتيجية على المثلث الحدودي مع العراق والأردن، بعدما كثّفت فصائل المقاومة عملياتها ضد الوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا، على خلفية الدعم غير المحدود الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة. ومن بين أبرز العمليات التي طاولت القاعدة ومحيطها، واحدة تمّت عبر طائرات مسيّرة استهدفت نقطة مراقبة أميركية حدودية قرب القاعدة، من الجانب الأردني، وتسبّبت بمقتل ثلاثة جنود وإصابة آخرين في مركز «البرج 22»، في شباط الماضي. وعلى خط موازٍ، تستغل إسرائيل في هجمتها الأضرار الكبيرة التي لحقت بالدفاعات الجوية السورية خلال الحرب المندلعة في البلاد منذ عام 2011، بعدما قامت الفصائل المسلحة بتركيز هجماتها على قواعد الدفاع الجوي، بالإضافة إلى الخلل الذي تسبّب به خروج مناطق عديدة عن سيطرة الحكومة السورية في تغطية الدفاعات للأجواء السورية، والأضرار التي طاولت بعض منظومات المراقبة والإنذار المبكر جراء الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لها. وبرغم تلك الأضرار، تقوم إسرائيل، منذ عام 2018، بتنفيذ اعتداءاتها من خارج أجواء سوريا، بعدما قامت دفاعات الأخيرة بإسقاط مقاتلة «F16» اخترقت المجال الجوي، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى شنّ معظم اعتداءاتها من الأجواء اللبنانية أو من فوق الأراضي المحتلة، إلى جانب بعض الاعتداءات التي تستغلّ عبرها قاعدة التنف ومناطق سيطرة الولايات المتحدة، شرق البلاد، في تنفيذها.