والواقع أن متطلّبات الحرب التي تواجهها إسرائيل وأعباءها، تفرض أوسع مشاركة في إدارتها، وهو ما يقتضي تجاوز الخلافات السياسية التي أعلن غانتس أنها «وُضعت جانباً»، قائلاً إنه «في المعارك، يجتمع رجال اليسار واليمين والمتديّنون والعلمانيون»، خصوصاً أن ثمّة قرارات قاسية ينبغي اتّخاذها وتحتاج إلى أعرض التفاف شعبي وسياسي، مضيفاً أنه «يوجد الآن معسكر واحد، هو معسكر شعب إسرائيل». كما أن تركيبة حكومة نتنياهو التي تضمّ عدداً كبيراً من الوزراء ممّن لا خبرة لهم في القضايا الأمنية، تجعل من الضروري ضمّ شخصيات تملك خلفيات أمنية وتجارب واسعة في الحكم من أجل تشارك المهمّات مع وزير الأمن ورئيس الحكومة اللذَين يقع عليهما العبء الأكبر في هذا المجال، ولم يكن أفضل للحلول في هذه المناصب المستحدَثة سوى غانتس وآيزنكوت بسبب ماضيهما العسكري في رئاسة أركان الجيش. أضف إلى ذلك، أن ضمّ المعارضة إلى الحكومة، يشكّل مطلباً أميركياً لأسباب داخلية وإقليمية، على رأسها أن وجود الأولى، الأقرب إلى التوجّهات الأميركية، في الائتلاف، يشكّل عامل ضبط وتوازن. صحيح أن البيت الأبيض منح إسرائيل هامشاً مفتوحاً حتى الآن، في الوقت والأساليب والأدوات، ولكنّ الحرب لا تزال في بداياتها، ومن الممكن أن تواجه عدداً من المتغيّرات التي تفرض أوسع مشاركة من القادة المتنوّعي التوجّهات، من أجل توفير قدر من الإجماع، وأيضاً من أجل بلورة توازن في الحكومة يضمن تحقيق الإجماع المذكور.
تتنوّع العوامل التي أسهمت في الدفع نحو تشكيل «حكومة طوارئ»
ومن المفيد هنا المقارنة بين «حكومة الوحدة الوطنية» و«حكومة الطوارئ»، فكلاهما عبارة عن ائتلاف واسع يجمع في داخله مروحة من الأحزاب المتباينة والمتنافسة في مواقفها السياسية أو برامجها الاجتماعية أو رؤاها الأيديولوجية. لكن «حكومة الوحدة» تتشكّل نتيجة موازين القوى التي تفرزها الانتخابات، أو بسبب حالة طارئة، اقتصادية أو أمنية أو سياسية، تواجهها «الدولة»، وذلك بناءً على اتفاق حول الخيارات السياسية التي ينبغي اتّباعها في الداخل والخارج، فيما «حكومة الطوارئ» تقوم حصراً على أساس مواجهة التحدّي الذي فَرض تشكيلها، كالحرب التي تشنّها إسرائيل اليوم ضدّ قطاع غزة. وعليه، تُحيّد في هذه الحكومة القضايا الخلافية إلى ما بعد الانتهاء من مواجهة التحدّي الماثل، وهو ما عبّر عنه غانتس بقوله إن «شراكة هذه الحكومة ليست شراكة سياسية وإنّما شراكة مصير»، متعهّداً بـ«تغيير الواقع الأمني والإستراتيجي». وأمّا مصير «الطوارئ»، فيتحدّد في أعقاب نهاية الحرب، إمّا بتجديد الاتفاق على أسس جديدة، وإمّا تفكيكها والعودة إلى المرحلة التي سبقتها.
ورغم أنه شُكّل عدد من «حكومات الوحدة الوطنية» في إسرائيل في أكثر من محطّة ولأسباب مختلفة، ولكنّ أكثرها تشابهاً مع حكومة اليوم، هي تلك التي تشكّلت عشية حرب عام 1967 (ولا تُصنّف ضمن «الوحدة الوطنية»). ففي العام المذكور، ضُمّ مناحيم بيغن اليميني، إلى جانب وزير آخر من حزبه، للمرّة الأولى في تاريخ إسرائيل، إلى الحكومة التي قادت الحرب آنذاك على مصر والأردن وسوريا. وإذ تشكّلت «حكومة الطوارئ» الحالية بعد اندلاع الحرب لا قبلها، فقد أُوقعت على عاتقها عدّة مهمات أساسية، أبرزها ردّ الاعتبار إلى الجيش الإسرائيلي ومحاولة ترميم هيبته، والسيطرة على مجريات الحرب ومنع تحوّلها إلى «حرب متعدّدة الساحات»، وتوفير دعم شعبي وسياسي داخلي للحكومة من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من قوات الاحتياط، مع ما يعنيه ذلك من أبعاد اجتماعية وتحشيد للإعلام والمؤسّسات والاقتصاد، وصياغة خطط اقتصادية إنقاذية والحصول على دعم دولي، وبالنتيجة تقديم إسرائيل على أنها موحّدة في القرار والخيارات، وليس ثمّة أيّ هامش خلاف فيها يمكن لأعدائها أن يستغلّوه لمصلحتهم.