والواقع أن اللهاث خلف «حكومة الطوارئ القومية» نابع، وفقاً لصحيفة «هآرتس»، من أن قائد «المعسكر الوطني»، غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، عضو «الكنيست»، غادي آيزنكوت، يتلقّيان «معلومات مخابراتية» خاصة بهما، مفادها أنه «يُحظر على أي نحو، وحتى عبر التضحية بالنفس، منح نتنياهو إمكانية إدارة الحرب وحده، وأن يكون (وزير الأمن) يوآف غالانت فقط إلى جانبه». وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن قياديّ في الحزب قوله إنه «لو لم تكن هذه دولتنا، لجلسنا جانباً وتركناهم يغرقون. لكن هذا ليس خياراً. وستضطر الحكومة في الأيام والأسابيع المقبلة إلى اتخاذ قرارات صعبة جداً. ولا توجد شرعية عامة لنتنياهو بأن يتخذها وحده».
وبخلاف غانتس الذي انتهج سياسة «الباب الدوّار» طوال الشهور الماضية، حتى في إطار المفاوضات حول مخطط «الانقلاب القضائي»، استمر رئيس المعارضة، وزعيم حزب «هناك مستقبل»، يائير لبيد، في التشبّث بمواقفه الصارمة، معلناً أن شروطه للانضمام إلى «حكومة طوارئ»، تتخلص في «سحب عضوية الوزيرين سموترتش وبن غفير من الكابينت». أمّا رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، فأعلن، من جهته، أن انضمامه إلى مثل هذه الحكومة «منوط بإعلان نتنياهو أن هدف الحرب هو القضاء على حركة حماس».
في المقابل، عدّ نتنياهو أن «الانقسام داخلنا انتهى، وجميعنا موحدون، وعندما نكون موحدين سننتصر. الشعب موحد وعلى القيادة أن تتوحد الآن»، داعياً قادة المعارضة إلى «تشكيل حكومة طوارئ قومية فوراً، مثل تلك التي شكلها مناحيم بيغين إبان حرب الأيام الستة عام 1967 (النكسة)». وهو ما تقاطع مع ما نقله موقع «واينت» عن قيادي في«الليكود»، مفاده أن «ثمة حاجة مُلحة إلى إقامة حكومة طوارئ، وسط المناخ الإسرائيلي العام، وأنه ليس سراً أنه من الصعب علينا إدارة حربٍ وسط تركيبة كابينيت مثل هذه، وذلك على مستوى صنع القرارات وحتى على المستوى العام». كما قال قياديٌ آخر من الحزب ذاته إنه «ثمة إدراك بأن نتنياهو يحتاج في الوقت الحالي إلى تواجد قادة المعارضة في قبل كابينيت الحرب، من أجل الحصول على شرعية للحرب التي ستكون طويلة وصعبة».
عمليات التعبئة: الفوضى مستمرة
على أن السعي إلى «حكومة طوارئ»، تبدو خلفه أيضاً أسباب أخرى لا تتصل بالحاجة المُلحة إلى إعلان حالة «الوحدة الوطنية» وتثبيتها، على رأسها حقيقة أن ثمة خللاً إدارياً حكومياً رهيباً لا يمكن التغافل عنه، وفقاً لسيفان هيلاي، مراسلة «واينت» للشؤون المحلية، والتي كتبت في تقرير مطوّل أن صوت عدد من الوزراء الإسرائيليين الذين لم يكفوا قبل يوم السبت عن إجراء المقابلات والظهور في وسائل الإعلام، لم يُسمع في الأيام الماضية؛ إذ «لا نرى هؤلاء في الميدان، ولا في الجنازات، ولا في التواصل مع الجمهور الذي بات يستقي معلوماته على نحو رئيسي من وسائل التواصل الاجتماعي». أمّا تولي الإسرائيليين دور دولتهم عبر التطوّع والتجنّد لتوفير المساعدات المتواصلة لجنود الاحتياط ومستوطني الجنوب على حدٍ سواء، «فيذكّرنا بحقيقة الأشياء كلّها التي لم تفعلها الحكومة»، وفقاً لهيلاي التي أضافت أن «فشلاً تلو فشل يُسجل منذ اندلاع الحرب، ويكشف مكامن الخلل التام الذي تعانيه الحكومة، وربما يكشف كذلك عن حقيقة لا تقلّ أهمية وهي قلة الكفاءة المهنية التي يتمتع بها المُعيّنون في مناصب وزارية».
وتبدّى هذا الفشل، وفقاً لها، في «تجنّد المواطنين من تلقاء أنفسهم لتوفير الخوذ والسترات الواقية ووسائل الحماية لجنود الاحتياط، فضلاً عن حملات لتوفير الطعام ومستلزمات النظافة والألبسة الداخلية التي يفتقر إليها الجنود في قواعدهم، بالإضافة إلى مبادرات المواطنين لتوفير قوائم بأسماء القتلى والمفقودين والبحث عنهم بدلاً من أن تقدّم المؤسسات المعنية، وفي مقدمتها الجبهة الداخلية، الاستجابة السريعة واللازمة تجاه ذلك». وتُضاف إلى ما تَقدّم «توجّه أخصائيين نفسيين ومواطنين عاديين من تلقاء أنفسهم إلى الفنادق، حيث يقيم حالياً مستوطنو الغلاف، من أجل تقديم الرعاية العاطفية والنفسية لهم».
لا يجرؤ نتنياهو، بعد مضي خمسة أيام على بدء الحرب، إلى عقد مؤتمر صحافي يمكن فيه طرح أسئلة تتجاوز ما ارتأى أن يقوله بنفسه
أمّا نتنياهو، فلا يجرؤ، بعد مضي خمسة أيام من بدء الحرب، على المبادرة إلى عقد مؤتمر صحافي يمكن فيه طرح أسئلة تتجاوز ما ارتأى أن يقوله بنفسه، في حين دفع بمدير مكتبه التنفيذي، يوسي شيلي، أول من أمس، ليبرّر الفوضى التي جعلت عدد القتلى في «حفلة الهذيان الصحراوي» في كيبوتس «رعيم» غير قابل للاستيعاب، من دون أن يحمّل الحكومة والمؤسسات المعنية مسؤولية ما حدث هناك. والإخفاقات الحكومية المتوالية «انعكست أيضاً على جنود الجيش، الذين نشروا آلاف التغريدات والرسائل التي اشتكوا عبرها من نقصان المعدات ووسائل حماية وأخرى قتاليّة أساسيّة، بينها عدم توافر الخوذ والسترات، وصولاً إلى المصابيح الضوئية ومناظير البنادق وحتى الأحذية العسكرية، ووجبات الطعام والمياه... فيما قال بعضهم إنهم حصلوا على معدات قديمة، ومن الممكن أن تعرض حياتهم للخطر في ساحة القتال». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحتى بعد مضي هذه الأيام كلها، «ثمة عائلات كثيرة فقدت أبناءها لم يتواصل معها أي مسؤول حتى الآن».
أما أحد أكبر مكامن القصور وفقاً لهيلاي، فهو دور وزيرة الدعاية، غاليت ديستيل، التي «اشتكت لشهور طويلة من عدم وجود طابعة في مكتبها، وعندما حصلت على الميزانيات انشغلت بتبرير شرعية الانقلاب القضائي. وفقط في ظهر يوم الحرب تذكرت إقامة مكتب طوارئ للدعاية، دعت عبره المؤثرين الإسرائيليين إلى التواصل مع أفراده للبدء في صياغة خطة للخروج على العالم بدعاية إسرائيلية مؤثرة. وهو دور أدّاه أساساً هؤلاء المؤثرون ومناصرونا من دون الوزيرة، حيث صاغوا مئات آلاف الرسائل بلغات مختلفة ونشروها في الشبكات ووسائل الإعلام». وفي خصوص وصول عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين استُدعيوا بموجب الأمر ثمانية، فلم يكُن منسقاً هو الآخر؛ إذ «شقّ آلاف من هؤلاء طرقهم إلى أماكن التجمّع بسياراتهم الخاصة، أو بواسطة تريمب (ركوب أي سيارة مارة بالطريق)، وآخرون وصلوا من طريق حافلات نظّمها متطوعون، وذلك بدلاً من أن تبادر وزيرة المواصلات، ميري ريغيف، إلى التصرف وإبداء استجابة سريعة تتمثل في تفعيل المواصلات العامة يوم السبت. وفي خصوص عودة جنود الاحتياط من الخارج، فرغم أنها لا تُلقى على عاتق الوزيرة وحدها، ورغم إضافة شركات الطيران الإسرائيلية عشرات الرحلات الأخرى على جداولها، وتحويل الهبوط من مطار بن غوريون إلى مطار رامون، فثمة تأخير واستجابة بطيئة أيضاً.
مظهر آخر للخلل الإداري، تجلّى مع وصول مئات الجثث إلى المشارح ومعاهد تحديد الهوية؛ حيث تعاني هذه الأخيرة من نقص حاد في عدد الموظفين القادرين على مطابقة الأدلة مع الأحماض النووية التي قدمتها العائلات، التي يبدو أن أياماً صعبة كثيرة ستكون في انتظارها.