تونس | أكد البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن لقاء زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء أول من أمس، ما ذهب إليه المتابعون للشأن السياسي والأمني التونسي والليبي بشأن أن ملف ليبيا سيكون على طاولة الحوار بين بوتفليقة والزعيم التاريخي للإسلاميين في تونس.
وكالة الأنباء الرسمية ذكرت أن الغنوشي أدلى بتصريح صحافي بعد اللقاء، الذي كان بطلب من بوتفليقة بحسب بيان «النهضة»، جاء فيه أن «اللقاء كان فرصة للحديث مع الرئيس بوتفليقة حول أوضاع منطقتنا وما تتعرض إليه من تحديات، وخاصة تلك المتعلقة بالتدخلات الأجنبية وما لها من انعكاسات على المنطقة كلها». وأكد زعيم «النهضة» أنه «استمع إلى نصائح» من الرئيس الجزائري تهم الوضع الإقليمي «وليبيا على وجه الخصوص».
دعوة بوتفليقة لزعيم «حركة النهضة» جاءت بعد إعلان مجموعات متشددة في ليبيا سيطرتها على مطار طرابلس، وإعلان المؤتمر الوطني العام استئناف أشغاله قبل يومين من انعقاد لقاء دول جوار ليبيا في العاصمة المصرية القاهرة، وبعد ساعات أيضاً من إعلان البرلمان الليبي، السلطة المناوئة للمؤتمر العام المنتهي الصلاحيات، «تنظيم أنصار الشريعة» ومجموعات أخرى، منها «مجلس شورى ثوار بنغازي»، ومجموعة «فجر ليبيا»، «مجموعات إرهابية». وبهذا يكون المشهد قد انقسم رسميا بين قوتين، قوة تساند البرلمان وتعده الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي وترفض وجود أي مجموعات مسلحة خارج الجيش والشرطة، وقوة أخرى ترى أن المؤتمر الوطني هو الجهة الشرعية الوحيدة، وترفض حل الميليشيات وتتهم البرلمان بدعوة قوى أجنبية للتدخل في ليبيا.
والرؤية اليوم في ليبيا واضحة، إذ تدعم القوى الدولية، أقله في الإعلانات العامة، مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي ودول الجوار، وخاصة مصر والجزائر البرلمان الليبي وتعده الجهة الوحيدة التي تمثل الشعب الليبي، وقد التحقت حتى تركيا بهذه المجموعة، إذ أعلن اردوغان مساندته - على الأقل ظاهريا - البرلمان الليبي، فيما يدعم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وقطر «المجموعات التكفيرية»، التي ترفض عملية الانتقال الديموقراطي ونتائج الانتخابات التي أنهت حكم الإسلاميين الذين يسيطرون على المؤتمر الوطني.
ومن هنا نفهم ربما لماذا «استنجدت» الجزائر بزعيم الإسلاميين في تونس، الذي أعلن سابقاً استعداده للوساطة بين الأفرقاء الليبيين، كما استقبل وفد مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية أخيراً في تونس. والجزائر لا يمكنها أن تتفاوض مع رئيس حزب ليست له أي صفة في الدولة حول مسائل أمنية دقيقة تتعلق بأمنها، لهذا نفهم أن تدخل الغنوشي في الشأن الليبي سيكون سياسياً عبر إقناع الإسلاميين، الذين يرفضون البرلمان بقبول الواقع السياسي الجديد، ولا شك أن الغنوشي سيحمل رسائل سياسية مهمة الى «أصدقائه» من قادة الإسلاميين في ليبيا، الذين له علاقات تواصل معهم، سواء مع عبد الحكيم بالحاج، زعيم «حزب الوطن» والقيادي في «الجماعة المقاتلة» سابقاً، أو «حزب العدالة والبناء»، وهو الذراع السياسية للإخوان المسلمين في ليبيا، وقادة «فجر ليبيا» الذين يتهمهم البرلمان الليبي بـ«الانقلابيين».
وتمنح الخبرة السياسية لراشد الغنوشي، وتجربة «حركة النهضة» القصيرة في الحكم، القدرة على أداء دور «الوسيط» بين الإسلاميين الليبيين والجزائر، التي لا تخفي خوفها من تدفق السلاح من ليبيا بما يهدد أمنها القومي. ويبدو أن القادة الجزائريين وجدوا في الغنوشي الحل الأمثل لتهدئة الأوضاع وإقناع الإسلاميين الرافضين لنتائج الانتخابات بإلقاء السلاح والعمل على دعم المصالحة الوطنية، وهو ما أشار إليه في تصريحه القصير للصحافة الجزائرية بعد لقائه مع بوتفليقة.
وهذا الدور في مصلحة مصر أيضاً وتونس، فدول الجوار العربي مهددة على نحو مباشر من انهيار الوضع في ليبيا، وإذا كانت تونس لا تملك إمكانات عسكرية للتدخل في ليبيا، فإن قدرات الجيش الجزائري والمصري، وحرص البلدين على أمنهما القومي، قد يدفعانهما إلى القيام بأعمال عسكرية خاطفة في ليبيا لتدمير القدرات العسكرية للمتشددين، وهذا ما لا تريده لا الجزائر ولا مصر، لأنه سيلقي بهما في مستنقع لا تُعرف نهايته، كما تحرص الجزائر على استباق التدخل الأجنبي في ليبيا، سواء من الاتحاد الاوروبي أو الولايات المتحدة الأميركية، لانه قد يكون ذريعة للتدخل في الجزائر وتهديد أمنها القومي.
فهل يكون الغنوشي هو رجل المصالحة في ليبيا، التي دخلت عملياً في حرب أهلية وأصبحت دولة برأسين، البرلمان والمؤتمر الوطني، وكل منهما سيعلن حكومته وجيشه ورئيس أركانه؟