حرص وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، على إظهار القمّة العربية التي استضافتها جدّة أمس، في أفضل صورة يمكن له أن يستثمرها في إطار توجّهاته الجديدة، والتي تقوم على تصفير المشاكل وإتمام المصالحات. وشكّلت القرارات الصادرة في البيان الختامي للقمّة، خصوصاً تلك المتعلّقة بسوريا ولبنان وإيران، انعكاساً لمحاولات الرياض إعادة "الجامعة العربية" إلى أسلوب ما قبل زمن "الثورات العربية"، بصرف النظر عن تقييم ذلك الأسلوب واعتباراته وظروفه الحاكمة.في ما يتّصل بسوريا، رحّب البيان الختامي للقمة باستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها. وشدّد البيان على «ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حل الأزمة؛ بما يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبّي طموحات شعبها، ويخلّصها من الإرهاب، ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، ويفضي إلى خروج جميع القوات الأجنبية غير الشرعية منها، وبما يحقّق المصالحة الوطنية ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها ودورها، ومواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكلّ محتاجيها، بما في ذلك وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة». كذلك، دانَ الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على سوريا، معلناً الوقوف إلى جانب الأخيرة في ممارسة حقها في الدفاع عن أرضها وشعبها. في المقابل، غابت عن البيان الختامي أيّ أدبيات تتعلّق بـ«ثورة الشعب السوري» وسبل دعمها، فيما حضر تأكيد دعم الجهود المبذولة لاستئناف أعمال "اللجنة الدستورية" في أقرب وقت ممكن، ودعوة لجنة الاتصال الوزارية المكونة من الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام للجامعة، إلى الاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل إلى حل شامل للأزمة، وفق منهجية "خطوة مقابل خطوة".
أمّا بخصوص لبنان، فقد حثّ البيان الختامي على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للجمهورية، وإجراء «إصلاحات اقتصادية هيكلية»، منوّهاً بـ«الصيغة اللبنانية الفريدة التي تعتمد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والعيش المشترك بينهما». وأعلن التضامن الكامل مع لبنان في ظلّ أشدّ أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية يمرّ بها منذ عقود، ودعم حكومته ومؤسّساته الدستورية كافة، بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن واستقرار لبنان وسيادته على كامل أراضيه. كما أكد حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وفي مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، مشدّداً على ضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. كذلك، رحّب بالخطوات المتخذة من قبل السلطات اللبنانية لتسريع البدء في التنقيب عن النفط والغاز، وممارسة لبنان حقه السيادي في استثمار موارده الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة ومياهه الإقليمية. ودعَم موقف لبنان في مطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، عبر وضع حدّ نهائي لانتهاكات إسرائيل البرية والبحرية والجوية الدائمة واعتداءاتها المستمرة، كما ومطالبته بتنفيذ القرارات التي تبنّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول البقع النفطية على الشواطئ اللبنانية، والتي تلزم إسرائيل دفع تعويضات مالية عن الأضرار التي سبّبتها جراء قصفها محطة الطاقة الكهربائية في حرب تموز 2006.
إيرانياً، رحّب البيان الختامي بالاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين السعودية وإيران في بكين، باعتباره «يشكّل خطوة إيجابية لحلّ الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الديبلوماسية وإقامة العلاقات بين الدول على أساس من التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والقوانين والأعراف الدولية‏". كما شدّد على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية وإيران «قائمة على مبدأ حسن الجوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية باعتبار ذلك انتهاكاً لقواعد القانون الدولي». وغابت عن البيان عبارة «التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية»، كما غاب عنه تحميل إيران بشكل مباشر مسؤولية تسليح ميليشيات في غير دولة عربية، وإن عبّر، بشكل عام، عن رفض «التدخّلات في الشؤون العربية وتغذية النزعة الطائفية والمذهبية»، ودعا إلى «الامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجّج هذه النزاعات وبالذات في دول الخليج العربية، ووقف دعم وتمويل الميليشيات والأحزاب المسلحة في الدول العربية».