جنين | ليلة أمس، أثبت الشيخ الشهيد خضر عدنان أنه كان محقّاً، حينما أوصى، في وقت سابق، بأن لا يشارك أحدٌ من أبناء الأجهزة الأمنية في جنازته أو بيت عزائه إذا ما قضى شهيداً؛ إذ لم يكتفِ عناصر تلك الأجهزة بملاحقته وتشويهه واتّهامه بالعمالة والخيانة حيّاً، بل أتمّوا فصول عدائهم له، أخيراً، بقمع مسيرة حاشدة انطلقت في مخيّم جنين تنديداً بجريمة اغتياله في سجون الاحتلال، في ما بدا مخطّطاً متعمّداً تَنظر إليه «كتيبة جنين» على أنه المرحلة الثانية من مراحل محاولة القضاء على المقاومة المسلّحة في شمال الضفة الغربية المحتلّة. وكان الآلاف من المواطنين وعناصر «كتيبة جنين» قد نظّموا مسيرة حاشدة، ليل الثلاثاء - الأربعاء، دعوا فيها المقاومة إلى الردّ على اغتيال الشيخ، قبل أن تُفاجئهم الأجهزة الأمنية بالهجوم على التظاهرة، بدعوى أن «بعض المدسوسين اتّهموا في هتافاتهم الأجهزة بالخيانة والعمالة». ويكشف مصدر من داخل المخيّم، واكب المسيرة منذ بدايتها، أن القوّات الأمنية التي يختفي عناصرها قُبيل أيّ اقتحام إسرائيلي، تعمّدت الإحاطة بالفعالية من لحظة انطلاقتها، قبل أن تحاول تفريقها، لتدور في أعقاب ذلك مواجهات بينها وبين الأهالي، أسفرت عن اعتقال كلّ من والد الشهيد أمجد العزمي، والناشط السياسي غسان السعدي، والأسير المحرَّر عبد الرحمن جدعون، فيما رشق المواطنون جيبات جهاز الأمن الوقائي بالحجارة، قبل أن يُعزّز الأخير قوّاته بعدد كبير من الجنود والآليات المصفّحة. على أن المشهد المشتعل في المخيم لم ينتهِ عند ذلك؛ إذ قام العشرات من المسلّحين، في ردّة فعلٍ غاضبة على تصرّفات الأجهزة الأمنية، بإطلاق رشقات من الأعيرة النارية تجاه مبنى المقاطعة في جنين، ليردّ العناصر المتمركزون في المبنى بإطلاق النار من الرشاشات الثقيلة، محاولين تفريق المتظاهرين الذين احتشدوا في مقابل المقرّ.
إزاء ما تَقدّم، يكشف مصدر مطّلع في «كتيبة جنين» أن الأجهزة الأمنية تحاول، منذ أسابيع، افتعال الإشكاليات مع المقاومين، أملاً في الوصول إلى نقطة تسيل فيها الدماء من الجانبين، ما يوفّر الذريعة للأجهزة الأمنية لتوصيف سلاح المقاومة على أنه «سلاح فلتان». وفي مقابل ذلك «المخطّط المكشوف»، يقول المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»: «أبدى عناصرنا ضبطاً هائلاً للنفس، وقد وقفنا بسلاحنا في محاولة للفصل بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، ولم يطلق أيّ من مقاومينا رصاصة واحدة تجاه الأجهزة الأمنية». ويلفت إلى أن «ثمّة شعوراً لدى قوّات الأمن الفلسطينية بأن المقاومة في جنين ونابلس فقدت، عقب تغييب قيادتها المجتمعية لا سيما الشيخَين بسام السعدي وخضر عدنان، صوت العقل والحكمة، الذي من شأنه المحافظة على وحدة الصف»، مستدركاً بـ«(أنّنا) على وعيٍ كامل بالمؤامرة التي دُبّرت في ليل، والتي تسعى إلى كسر حالة التوأمة والتآخي بين مكوّنات الشارع المقاوم، المتمثّلة في حركتَي فتح والجهاد الإسلامي (...) في جنين، لدينا خصومة وعداء كبير مع الاحتلال، وما نلاقيه من وكلائه هو أضرار جانبية نستطيع كظم غيظنا لاحتمالها، ردّنا ورصاصنا سيُوجَّه أبداً إلى صدور الاحتلال لا سواه».
يكشف مصدر مطّلع في «كتيبة جنين» أن الأجهزة الأمنية تحاول، منذ أسابيع، افتعال إشكاليات مع المقاومين


وكانت «كتيبة جنين»، التي ظهر عناصرها في شوارع المخيم على نحوٍ كثيف ليل الثلاثاء - الأربعاء، أصدرت بياناً نددّت فيه بالاعتداء على التظاهرة، وقالت: «إن كنتم لا تريدون أن تقاوموا المحتلّ، وإن كانت مدرّعاتكم وبنادقكم ودورات القنص لديكم ليست للاحتلال، فخلّوا بيننا وبينهم ولا تكونوا عوناً لهم علينا، إنّنا نُكرّرها دوماً، بنادقنا كانت ولا زالت وستبقى مُوجَّهة إلى صدور الأعداء، والله على ما نقول شهيد». وأضافت أن «ما يدمي القلب ونعتصر له ألماً، أنه عندما لا نعلم بدخول الاحتلال إلى مدننا ومخيّماتنا إلّا من خلال انسحاب مدرّعات الأجهزة الأمنية إلى المقرّات بشكل سريع، حينها نعلم أن هناك اقتحاماً لقوات جيش الاحتلال للتنكيل بأبناء شعبنا». ودان المتحدّث باسم حركة «الجهاد الإسلامي» عن الضفة الغربية المحتلة، طارق عز الدين، بدوره، ممارسات الأجهزة الأمنية، ودعا، في تصريح صحافي، عناصرها إلى «الكفّ عن ملاحقة الشرفاء من أبناء (شعبنا)».
يُذكَر أن الجهود المجتمعية كانت قد نجحت، في نهاية شهر نيسان الماضي، في عقد مصالحة مجتمعية بين أبناء حركة «فتح» و«كتيبة جنين»، على خلفية المواجهات التي نشبت في منتصف الشهر ذاته عقب اعتقال المطارَد طلال الحصري. على أن مصدراً في «الكتيبة» يرى أن الإشكالية القائمة حالياً تتخطّى المكوّن «الفتحاوي» في المخيّم؛ إذ إن هناك قراراً لدى الأجهزة الأمنية التي لا تعبّر بالضرورة عن الموقف «الفتحاوي» الداعم للمقاومة بل والمشارك فيها في جنين، بالاستمرار في استحداث الخلافات، وصناعة الشرخ المجتمعي، وصولاً إلى النيابة عن الاحتلال في القضاء على ظاهرة المقاومة المتصاعدة.