وتبدو الخطوات السعودية الواسعة الأخيرة، والتي تأتي في أعقاب قرار المملكة إعادة العلاقات مع سوريا التي زارها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في مقابل زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للرياض، وكأنها استكمال لخطّة حاولت عمّان تسويقها قبل نحو عامَين، عنوانها تغيير طريقة التعامل مع الأزمة السورية، والمساهمة في حلّها عبر الانخراط في شراكات مع الحكومة السورية. ويتقاطع ذلك، أيضاً، مع مبادرة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون (خطوة مقابل خطوة)، والتي تقضي بتخفيف القيود عن دمشق، مقابل خطوات ميدانية وسياسية محدَّدة على الأرض لحلّ الأزمة. ويَرسم كلّ ما تَقدّم صوراً مجتزأة لمسارات سياسية عديدة، تدور الجهود في الوقت الحالي لتوحيدها، والخروج بصورة واضحة واحدة لجميع أجزائها، ما يفسّر التمهّل الروسي ضمن مسار «أستانا»، وتأجيل موعد اللقاء ضمن هذا المسار إلى النصف الثاني من العام الحالي.
تستكمل الخطوات السعودية الواسعة الأخيرة خطّة حاولت عمّان تسويقها قبل نحو عامين
وتتزامن الجهود السعودية، والتي تأتي قبيل استضافة المملكة للقمّة العربية بعد نحو أسبوعَين، مع حركة انفتاح عربية واسعة على دمشق، وهو ما سيكون من شأنه مساعدة الرياض في مساعيها للخروج بموقف عربي جامع حول سوريا، وإعادة الأخيرة إلى مقعدها المجمَّد في الجامعة العربية، سواء قبل القمّة (وبالتالي دعوة دمشق إليها) أو خلالها، وبالتالي الخروج منها بقرار ينهي القطيعة العربية مع سوريا بشكل رسمي، ويعيد إليها مقعدها، وبالتبعية دورها الطبيعي في الجامعة التي شاركت في تأسيسها. وكانت دمشق قد أعلنت سابقاً أنها تَعتبر العودة إلى الجامعة عنصراً متمّماً لاستعادة العلاقات الثنائية مع العواصم العربية، والتي تعطيها الأهمية القصوى، ما يفسّر النشاط الدبلوماسي السوري في العالم العربي خلال الفترة الحالية، والذي تتمثّل أحدث حلقاته في مغادرة المقداد إلى بغداد السبت المقبل تلبيةً لدعوة من نظيره العراقي، فؤاد حسين. وتأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة على استضافة سوريا اجتماعات اللجنة السورية - العراقية في نسختها الحادية عشرة، والتي فتحت الباب أمام توريد النفط العراقي إلى الجانب السوري مقابل الحصول من الأخير على مواد مصنَّعة وفق آلية «النفط مقابل البضائع»، الأمر الذي سيسهم في تخفيف حدّة أزمة الطاقة التي تعيشها سوريا، في ظلّ الاحتلال الأميركي للمواقع النفطية في هذا البلد، والتضييق المستمرّ الذي تمارسه واشنطن لمنع توريدات النفط.
مع ذلك، وعلى رغم أن الحراك العربي الحالي يؤسّس لمرحلة جديدة من التعاون مع سوريا، ويمثّل خطوة واسعة ضمن مشهد سياسي جديد، إلّا أن القائمين عليه يعرفون أنه مسار طويل، ويحتاج إلى عمل كبير ولفترة زمنية ممتدّة. ولعلّ هذا هو ما يفسّر تشكيل لجان بالتعاون مع دمشق لمتابعة الملفّات العالقة، والتي زاد طول فترة الحرب وانخراط قوى إقليمية ودولية فيها من تعقيدها. على أنّ ما قد يشكّل بارقة أمل، هو وجود شبه توافق سوري – عربي على ضرورة إنهاء الحرب، الأمر الذي لن يحصل بغير العمل على إخراج القوات غير الشرعية من سوريا، والذي بدا لافتاً تشديد البيان الختامي لاجتماع عمّان على ضرورة تَحقّقه.