جنين | لا يتوقّف التحدّي الوجودي الذي يحيط بكتيبة جنين، عند عمليات الاقتحام والاغتيال المركَّزة، والمتواصلة بشكل أسبوعي منذ نحو 20 شهراً، بل يتعدّاها إلى محاولة تقويض الخلايا المقاومة الناشئة من الداخل. ذلك على الأقلّ ما يوحي به اعتقال القيادي المطارَد في الكتيبة، طلال الحصري، منتصف نيسان الجاري، على يد جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، وما رافقه من هجوم للأهالي والمقاومين على مبنى القوات الأمنية التابعة للسلطة في المحافظة، والمعروف بـ«المقاطعة»، أفضى إلى إطلاق سراح الحصري خلال ساعات. ويأتي العزف على هذا الوتر، بعدما فشلت عملية «كاسر الأمواج» التي بدأها جيش الاحتلال في آذار من العام الماضي، ووجّه فيها ضربات أمنية جراحية تمثّلت في اعتقال واغتيال العشرات من مقاومي «سرايا القدس» و«كتائب شهداء الأقصى»، في تحقيق فارق جوهري يقضي على الحالة بشكل ناجز. بالعودة إلى ما حدث ليلة الـ16 من نيسان الجاري، هاجمت قوة مسلّحة من «الوقائي»، القيادي الحصري الذي يحظى بشعبية كبيرة في المخيم، عابرة للتقسيمات الحزبية؛ فهو شقيق الشهيد عبد الله، أحد مؤسِّسي «الكتيبة»، والذي تَحسبه عائلة الزبيدي العريقة واحداً من أبنائها، كونه وقف في وجه الأجهزة الأمنية في مطلع العام الماضي، حين اعتدت قوة أمنية بالضرب والإهانة على محمد، نجل قائد كتائب «شهداء الأقصى»، زكريا، وشاهد المخيّم بأسره يومها طلال وهو «يحرق الأرض» وفق تعبير مصدر محلّي، ويطلق النار على مقرّات الأجهزة الأمنية، رفضاً للتعدّي على حرمة أبناء الأسرى. وفور اعتقال الحصري، انطلقت مسيرات شعبية عفوية في المخيم، وتَوجّهت إلى مقرّ «المقاطعة» الذي هاجمه بالتزامن بعض المسلّحين، وأطلقوا النار والقنابل الصوتية عليه. ودفعت ردّة الفعل هذه، الأجهزة الأمنية، إلى إطلاق سراح طلال سريعاً، غير أن الحدث لم ينتهِ عندذاك؛ إذ نظّمت تلك الأجهزة وحركة «فتح»، في اليوم التالي، مسيرة كبيرة، حاولت من خلالها صناعة موقف شعبي و«فتحاوي» مقابل لموقف الشارع، فيما بدا لافتاً في المشهد توسّط مسؤول إقليم «فتح» في جنين، عطا أبو ارميلة، صفوف المتظاهرين، الذين هتفوا بـ«ببطولة الوقائي والأجهزة الأمنية»، ودعوا إلى «الضرب بيد من حديد ضدّ المتسبّبين بالفوضى وفلتان السلاح»، أي مقاومي «كتيبة جنين» و«كتائب الأقصى».
ستحاول الأجهزة الأمنية استحداث المزيد من الإشكاليات الداخلية في جنين


ويصف مصدر في «كتيبة جنين» ما جرى ليلتها بأنه محاولة علنية لـ«شقّ صفّ الشارع الذي بايع المقاومة منذ عملية نفق الحرية، لا سيما وأن الحالة المقاومة ما كان لها أن تنضج، لولا التناغم الكبير بين "فتح" و"الجهاد" في المخيم». ويضيف المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الأجهزة الأمنية حاولت تكرار سيناريو نابلس، القائم على ملاحقة المقاومين واعتقالهم، أو إقناع بعضهم بتسليم السلاح مقابل العمل في الأجهزة الأمنية، وتحصيل عفو من الاحتلال، ولمّا فشلت، ولم تجد مقاوماً واحداً يقبل تسليم نفسه وسلاحه، بدأت العمل على زرع الفتنة وعزل الشباب الفتحاوي المقاوم عن إخوانه في الجهاد، مستغلّةً غياب واعتقال القيادات المجتمعية التي تحظى باحترام الجميع، مِن مِثل الشيخ بسام السعدي وخضر عدنان، وتحييد الأب الكبير أبو رعد خازم بعد مرضه». ويلفت إلى أن «الأخ عطا أبو ارملية كان أحد القيادات الحاضنة للمقاومة، على رغم أنه محسوب على خطّ فتح الرسمي الذي يدين بالولاء للسلطة والرئيس محمود عباس، وظهوره في المسيرة المشؤومة كان محاولة لاستمالته لمواجهة الكتيبة ومن خلفها عائلة الزبيدي وإخوان ورفاق الشهيد القائد عبد الله أبو التين».
وإذ يبدو أن الأجهزة الأمنية وصلت إلى قناعة بأن إجهاض حالة المقاومة في الضفة الغربية قاطبة، لن يتحقّق سوى بالقضاء على المقاومة في جنين أوّلاً، وهو ما خلصت إليه قمّتا العقبة وشرم الشيخ الأمنيتان، فـ«هي ستحاول استحداث المزيد من الإشكاليات الداخلية في جنين، مستغِلّةً اندفاع شباب المقاومة وجذريتهم في التعاطي معها، بهدف اختراق المخيّم، وإشعال الفتنة بين "فتح" و"الجهاد"، بما يسمح بالمزيد من حالات استخدام سلاح المقاومة في وجه القوّات الأمنية، ويوفّر بالتالي ذريعة لتنفيذ عملية أمنية كبيرة تحظى بدعم جزء من المكوّن الشعبي في محافظة جنين، ولا تَظهر فيها السلطة وكأنها تنفّذ أهدافاً إسرائيلية». وعليه، تشدّد مصادر أهلية في جنين على أنه من المهمّ «تفويت أيّ فرصة لإثارة النعرات الداخلية، والمحافظة على ما هو قائم من حالة تآخٍ بين مكوّنات الشارع المقاوم وحاضنته الشعبية، وذلك من خلال الابتعاد عن خطاب التخوين حتى وإن كان "الجرح في الكفّ"».