الخرطوم | في محاولة لتسلّق الأحداث والبحث عن موطئ قدم في المشهد السوداني، خرج رموز نظام عمر البشير، أعضاء «الحزب المؤتمر الوطني» المنحلّ، مخاطبين الشعب السوداني بعد تنفيذهم عملية هروب جماعي من سجن «كوبر» المركزي، حيث كانوا معتقَلين لنحو أربعة أعوام بتهمة تدبير انقلاب 1989. ولم يختبئ هؤلاء كغيرهم من السجناء الذين فرّوا من المعتقلات، بل أطلّ القيادي في الحزب، أحمد هارون، على السودانيين، داعياً إياهم في تسجيل صوتي إلى مساندة الجيش، كما دعا منتسبي قوات «الدعم السريع» إلى الانخراط مع القوات المسلّحة في صفّ واحد. وقال هارون، المطلوب لدى «المحكمة الجنائية الدولية» بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، إنه غادر السجن مع مسؤولين سابقين، وإنهم سيوفّرون الحماية لأنفسهم، مضيفاً إن «الواجب الآن المحافظة على الوطن وذلك يتقدّم على أيّ مشروع حزبي أو سياسي».وأحدث فرار رموز نظام البشير ردود فعل متباينة؛ إذ اعتبر البعض أن الشعب السوداني يدفع من دماء أبنائه ثمن المعركة الجارية بين ميليشيا «الدعم السريع» و»الكيزان» الإسلاميين، والتي يمثّل إخراج الإسلاميين من السجون آخر فصولها. في المقابل، رأى محلّلون أن إيحاء الإسلاميين بأنهم جزء ممّا يحدث الآن، إنّما الغرض منه استثمار المعركة من أجل العودة مرّة أخرى إلى السلطة، على ظهر الهزم المحتمل لجماعة «حميدتي»، وخصوصاً أنهم أطلقوا على عمليات الاقتتال الدائرة تسمية «معركة عودة الكرامة للجيش». وما إن كشف الإسلاميون عن وجههم، حتى سارعت قوات «الدعم السريع» إلى الخروج ببيان قالت فيه إنها «اختارت الوقوف إلى جانب الشعب ضدّ قيادات الانقلابيين الذين وضعوا الخطط لإشعال الحرب، وخلق مبرّرات أمنية لإخراج قيادات النظام البائد من السجن تمهيداً لعودتهم إلى الحكم».
وبدا هذا الموقف متساوقاً مع ردّ فعل «قوى الحرية والتغيير» التي رأت أن «النظام البائد وحزبه المنحلّ، من خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلّحة والقوات النظامية، هم مَن يقفون خلف الحرب الدائرة الآن بهدف عودتهم إلى الحكم». واعتبرت تلك القوى، في بيان، أن «خطاب أحمد هارون وتوقيته يوضح نيّتهم زيادة إشعال الفتنة وتوسيعها»، مُجدّدة دعوتها الجيش و»الدعم السريع» إلى وقف الحرب، لأن «من يقف خلفها هو النظام البائد الذي تسبّب بظاهرة تعدّد الجيوش»، ومشدّدةً على أن «السبيل لإزالة هذه الظواهر هو الحلّ السياسي السلمي، والذي يقطع الطريق أمام مخطّطات النظام السابق ومساعيه للعودة إلى حكم البلاد مجدّداً».
رأى محلّلون أن إيحاء الإسلاميين بأنهم جزء ممّا يحدث الآن، إنّما الغرض منه استثمار المعركة من أجل العودة مرّة أخرى إلى السلطة


ويرى مراقبون أن محاولة قوات «حميدتي» اختزال سبب الاقتتال بينها وبين الجيش، بالموقف من الإسلاميين، ترمي إلى سحب ما قد تحظى به القوات المسلّحة من تأييد شعبي في المعركة الدائرة، على اعتبار أن مسألة «تنظيف» الجيش من الإسلاميين وبناء جيش قومي مهني، تُعدّ من الأولويات لدى جزء من الشارع. وفي هذا الإطار، يقول مصدر في الجيش، تحدّث إلى «الأخبار»، إن «تنظيف الجيش من أعضاء حزب المؤتمر الوطني المنحلّ مسألة وقت، وذلك بعد حسم المعركة مع قوات الدعم السريع». ويشير المصدر إلى أن «القرارات في القوات المسلّحة الآن قرارات جماعية، ولا تستطيع قيادة الجيش إمرار أيّ قرار أحادي بشأن الحرب الدائرة ما لم توافق عليه القواعد».
ولا يستبعد مراقبون أن تكون موافقة قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، على الهدنة، وما تحمله من انفتاح ضمني على التفاوض مع قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، سبباً مباشراً في تصدّر الإسلاميين المشهد، في مسعى منهم لقطع الطريق أمام أيّ حل سلمي قد يبقي جماعة «حميدتي» على الساحة السياسية مستقبلاً. غير أن المصدر المذكور أكد أن «القوات المسلّحة لن تتوقف إلّا بعد حسم المعركة مع قوات الدعم السريع، ولا مجال أمام أيّ فرص للتفاوض». وكان الجيش قد نفى أيّ علاقة له بالبيان الصادر عن أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المنحلّ، وقال، في بيانه، إن «القوات المسلّحة غير معنيّة ببيان أحمد هارون»، مبدياً استغرابه من إشارة الأخير إلى القوات المسلّحة، التي نفى أيّ علاقة لها «بهارون أو بحزبه أو بإدارة السجون». وأشار إلى أن القائمين على سجن «كوبر»، حيث يقبع رموز النظام السابق، اتّخذوا قراراً بإطلاق سراح السجناء بسبب انقطاع المياه والكهرباء والتموين.