بغداد | ابتداءً من ٣ آب، حين سيطر المسلحون على بلدة سنجار، بدأ إقليم كردستان يتوجس مصيراً مشابهاً لسيناريو مدينة الموصل، وخصوصاً مع أخبار «ترك عناصر البشمركة» مواقعهم في البلدة، التي تقطنها غالبية من الطائفة الأزدية.
كان رئيس الإقليم مسعود البرزاني العائد من جولة تفقد لقوات البيشمركة في بلدة خانقين شمال شرق بغداد، وهي من المناطق المتنازع عليها، قد هدد أخيراً جنوده المنسحبين من بلدة سنجار بالمحاسبة والعقاب، في تكرار لخطاب رئيس الحكومة الاتحادية، نوري المالكي، بشأن جنوده الذين تركوا الموصل في شهر حزيران الماضي. في المقابل، حاول السياسيون الأكراد حماية سمعة البشمركة من الصورة الهزيلة للجيش الاتحادي في مدينة الموصل، وحرصت المحطات الفضائية، وقنوات الـ«سوشال ميديا»، على قطع الطريق على «التشفي العربي» كما سماه البعض هنا في الإقليم، لكن، هناك من كان ينتظر هذه الفرصة، حيث انتشرت في المواقع العربية للتواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو، تظهر عجلات القوات الكردية، وهي تترك سنجار.
وتفيد المعلومات بأن قوات البشمركة الكردية انسحبت انسحابا كاملا من سنجار وحتى فيش خابور، بما في ذلك المخافر الحدودية. وفي شوارع المحافظات الكردية الأربع، أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، كان بمقدور الناس معرفة أن إقليمهم الآمن مهدد أكثر من أي وقت مضى. وفرضت قوات الآسايش، وتعني الأمن الداخلي، إجراءات غير مسبوقة، ونصبت نقاط تفتيش متحركة، وطلبت من أصحاب المركبات تقديم وثائقهم، فيما كان عناصر تلك القوات يقومون بدوريات راجلة في الشوارع الرئيسية. يقول مصدر أمني كردي، «البشمركة ذهبت لمقاتلة «الدولة»، بينما الأمن الداخلي صار من مسؤولية مجندين شباب تطوعوا أخيراً. في منتصف ليل الأحد الإثنين، كان تقاطع «الشيراتون» وسط مدينة أربيل، يعبّر عن حالة القلق التي تشهدها المدينة، حيث مركبات الآسايش تقطع الطرق وتتحرك مسرعة إلى داخل المدينة، بينما الناس الذين توقفوا لمشاهدة الفوضى التي لم يعهدوها من قبل سوى من أيام الحرب الأهلية الكردية منتصف التسعينيات.
وفي اليوم التالي، كان الأكراد يتلقون أخباراً مطمئنة عن قواتهم العسكرية، حيث انهمكت وسائل الإعلام المحلية بعرض بيانات عسكرية عن حشد كردي في سنجار لطرد «الدولة»، بل وتحدثوا عن إمكانية مطاردته في عمق الموصل. وأرسلت قوات البشمركة تعزيزات بقيادة ابن رئيس الإقليم منصور البرزاني، لاستعادة السيطرة على مناطق سنجار وزمار وربيعة الحدودية، إثر اشتباكات عنيفة مع مسلحي التنظيم، وسط نزوح الآلاف من سكانها الازيديين، فضلاً عن تفجير مزار شرف الدين، الذي يعد من أهم المزارات المقدسة لديهم ويعود تاريخه إلى ٧٠٠ عام. وبدا أنه حشد كردي قومي للاستنفار ضد المسلحين الذين اختاروا أخيراً الأكراد هدفاً جديداً لهم.
إلا أن الصورة التي نقلها الإعلام كانت مضللة، حيث أكدت مصادر من بلدة سنجار أن الأخبار التي تواردت عن وصول قوات البيشمركة، شجعت المحاصرين في الجبل على النزول والعودة إلى مناطقهم، لكنهم صدموا بانتشار مسلحي «الدولة»، الذين احتجزوا ٩ سيارات تقل مدنيين وقتلوا من فيها، وأعادوا سيدة واحدة تبلغ من العمر ٩٥ عاماً.
من جهته، خرج حزب العمال الكردستاني ببيان يدعو فيه جميع الأكراد للانتفاضة ضد «الدولة». وقال الحزب الذي يخوض تمرداً ضد الحكومة التركية منذ 30 عاماً، في بيان على موقعه الإلكتروني، «يجب أن ينتفض جميع الأكراد في الشمال والشرق والجنوب والغرب ضد الهجوم على الأكراد في سنجار (في شمال العراق)». وتقول مصادر صحافية في مدينة أربيل، إن قوات كردية تابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني السوري، دخلت على خط الأزمة، واتجهت بالفعل إلى مناطق ربيعة، حيث المنفذ الحدودي، وبالقرب من بلدة سنجار. ويوم أمس، وصلت تعزيزات عسكرية لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية السورية إلى مدينة اليعربية ومعبرها الحدودي، وصولاً إلى معبر ربيعة المتاخم لمدينة اليعربية السورية، ليكون خط دفاع عن مدينة اليعربية ضد خطر تمدد «الدولة الإسلامية» إليها.
إلى ذلك، جهز حزب العمال الكردستاني قواته من جبل قنديل لتتوجه إلى المناطق المتنازع عليها في الموصل، وتشارك مع بقية الفصائل الكردية ضد «داعش». وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حماية الشعب الكردستاني، الجناح المسلح لحزب العمال، بختيار دوغان، في تصريح صحافي لـ «الأخبار»، إن «مسلحي الحزب على أهبة الاستعداد للدفاع عن عموم إقليم كردستان في مواجهة أي خطر»، لكن دوغان، دعا حزبي جلال طالباني ومسعود البرزاني للتعاون في هذه المهمة. ويبدو أن التحركات العسكرية للكرد، جاءت تحت وصاية مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، فالقوى المسلحة التي تحشدت في سنجار توالي حزبه السياسي، وتربطها به تحالفات قومية «تاريخية»، لكن المعلومات تتضارب بشأن سيطرة طرفي النزاع على بلدة «سنجار»، وفي الوقت الذي تقول فيه عائلات أزدية نزحت إلى الجبال، إنها لم تر أي حضور أو عمل عسكري لقوات كردية، نشر القائد العام لقوات «الأسايش» الكردية، جوان إبراهيم، صوراً له على مشارف بلدة «سنغال» التابعة لقضاء سنجار، معلناً وجودهم رسمياً هناك. وقالت مصادر من داخل مدينة الموصل، إن مئات العائلات الأزيذية اتجهت إلى جبل سنجار، وظلت محاصرة في كهوف الجبل، بينما قضى شيوخ وأطفال بسبب الجوع والعطش. وأكد النائب عن محافظة نينوى حنين قدو، خلال مؤتمر صحافي أن «نحو 500 عائلة ايزيدية محاصرة من قبل داعش في جبل سنجار، ولا يمكن إيصال المساعدات إليهم إلا من طريق الجو».