بغداد | منذ مقتل المواطن الأميركي، ستيفن ترويل، في العراق مطلع هذا الأسبوع، اتّفق المراقبون على أن الواقعة تمثّل رسالة إلى حكومة محمد شياع السوداني، للزجّ بالعامل الدولي مجدّداً في الأزمة العراقية، بعدما جرى تحييده نسبياً، بما مكّن من تشكيل الحكومة بعد عام كامل من الانسداد السياسي والمواجهات التي كادت تزجّ بالبلاد في أتون حرب شيعية - شيعية. وأطلقت قلّة المعلومات الصادرة عن التحقيقات في ملابسات الحادثة نفسها، العنان لتحليلات في اتّجاهات مختلفة، تتراوح بين مسؤولية المتضرّرين من الإجراءات التي تقوم بها «الكابينة» الجديدة ضدّ الفساد، وبين «تضحية» الأميركيين أنفسهم بمواطنهم لإعاقة ما أعلنه السوداني عن نيّته إجراء محادثات مع الأميركيين لاستكمال انسحابهم من العراق، وبين مسؤولية ما يسمّيه بعض العراقيين «المجاميع الإرهابية» التي تريد أيضاً توجيه رسالة إلى رئيس الوزراء.وعلى رغم أن السوداني أمَر بتحقيقٍ يَجري تحت إشرافه شخصياً في ظروف مقتل ترويل في هجوم مسلّح نفّذه ضدّه مجهولون استخدموا كواتم للصوت، أثناء استقلاله عجلة مدنية في شارع الصناعة وسط بغداد، إلّا أنه لا معلومات صلبة حول ملابسات الجريمة. وإذ لا يبدو أن هذه الأخيرة تحمل بصمات فصائل المقاومة العراقية، باعتبار أن الرجل ليس عسكرياً، ويقيم مع عائلته في بغداد، حيث يدير هو وزوجته وبناته مدرسة لتعليم اللغة الإنكليزية، فإن بعض الاتّهامات التي اتّجهت نحو «المجاميع الإرهابية» تستند إلى أنه كان «مبشّراً مسيحياً»، وفق معلومات مُتاحة على الإنترنت منذ عام 2016. ويقول القيادي في «منظّمة بدر»، محمد مهدي البياتي، لـ«الأخبار»، إن «العملية مهما كانت، هي مُدانة عُرفاً وقانوناً، ومُدانة أيضاً عراقياً، وضحيّتها مواطن أميركي طالما ليس معادياً للنظام السياسي في العراق»، معتبراً أن «القائمين بهذه العملية هم بالتأكيد من المجاميع الإرهابية والمجاميع المتورّطة في دم العراقيين منذ 2004 إلى هذا اليوم»، مضيفاً إن «اختيار الوقت واضح، ليس فقط في هذه العملية، بل هناك عمليات أخرى في أماكن هدفها إحراج حكومة السيد السوداني، وهي في بدايتها، لإفشالها».
الحادثة لا تحمل بصمات فصائل المقاومة العراقية التي تحصر استهدافاتها بجنود الاحتلال


من جهته، يقول الخبير الأمني، علي الحر، في تصريح إلى «الأخبار»، إنه «لا ينبغي استباق التحقيق الرسمي للحكومة، ولكن تَعوّدنا أن الحكومة عندما تحيل مواضيع كهذه إلى لجان التحقيق، تأخذ وقتاً أو تُطمس»، مشيراً إلى أن «حادثة الاغتيال تثير الكثير من التساؤلات، أولاً الذين كانوا يعملون مترجمين مع الجيش الأميركي هم مَن استُهدفوا سابقاً، فهل هذا ينطبق على ترويل؟ ثانياً، الأميركيون الموجودون في العراق هم عادة إمّا عسكر أو شركات أو في السفارة الأميركية، لكن ستيفن مقيم في شقة في وسط بغداد، فلماذا؟ ولماذا السفارة الأميركية تترك مُواطنها من دون دعم وحماية ومن دون تواصل معه وسط الأحياء السكنية؟ نحن غير معتادين على أمور كهذه من الجانب الأميركي». ويخلص الحر إلى أن «حوادث كهذه تحتمل سيناريوَين، وهما يضغطان في اتّجاه حكومة السوداني: الأوّل هو أن جهات داخلية تريد تدويل قضية العراق وتبيان أن حكومة السوداني ضعيفة وأمامها عراقيل، وذلك عقاباً لها لأنها ضربت الكثير من رؤوس الفساد أخيراً، وخصوصاً أنها ماضية في اتّجاه تصفير الأزمات مع الخارج وتسعى إلى علاقات جيدة مع المحيط الإقليمي والعالم. والسيناريو الثاني هو أنه قد يكون هذا المواطن ضُحّي به (أميركياً)، لأن رئيس الوزراء صرّح أكثر من مرّة بأنه سيتواصل مع الجانب الأميركي لوضع جدول لانسحاب قواته من العراق، واجتمعت به السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي ثلاث مرّات، وأخيراً كتبت على وسائل التواصل الاجتماعي، ردّاً على السوداني، قائلة إن الأميركيين لن ينسحبوا قريباً من العراق. ولذلك قد يكون قتْله تضحية به لوضع العصيّ في دواليب مفاوضات سحْب هذه القوّات».
على أيّ حال، يُعدّ العراق، بعد عشرين عاماً من الاحتلال الأميركي، بلداً آمناً للأجانب أكثر ممّا هو آمن للعراقيين. فبعيداً عن قوات الاحتلال، نادراً ما يُستهدف المدنيون الأجانب الذين يعملون في البلد. ولذلك، فإن الغربيين يأتون إليه للعمل أو حتى للسياحة من دون خوف. من هنا، فإن الحادثة الأخيرة تبدو خارجة من السياق ومثيرة للكثير من علامات الريبة.