طرابلس | على رغم تَحسّن العلاقات بشكل كبير بين تركيا من جهة، والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، في الأشهر الماضية، إلّا أن هذا التحسّن لم يبدّد مخاوف الأطراف الأخيرة من التحرّكات التركية المنفردة داخل ليبيا، حيث تسعى أنقرة إلى ترسيخ وجودها في الغرب الليبي، عبر إرساء أسس أمنية وعسكرية لتأمين مصالحها. ويترافق ذلك مع اشتغالها على تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار وتنفيذ مشروعات تنموية في الأشهر المقبلة، سواء استمرّت حكومة عبد الحميد الدبيبة في السلطة أو غادرتْها، علماً أن لغة «المصالح المشتركة» عادت لتجمع بين الطرفَين بعد أشهر من الجفاء الذي وصل إلى درجة القطيعة. وكان الدبيبة، المحسوب منذ انتخابه رئيساً للحكومة الانتقالية على تركيا، تسبّب بنوع من الفتور مع أنقرة على خلفيّة المواقف التي اتّخذها لدى تولّيه السلطة، وزيارته القاهرة، وتنسيقه مع مصر في غير ملفّ. لكن تمسُّك المصريين بإقصائه في أعقاب تعثُّر مسار إجراء الانتخابات نهاية العام الماضي، أعاد التقارب مجدَّداً بينه وبين الأتراك، مثلما حدث في الأشهر الأخيرة من عهد حكومة سلفه، فايز السراج.وعلى رغم أهمية الزيارة التي قام بها وفد تركي رفيع المستوى ضمّ وزيرَي الخارجية والدفاع إلى جانب رئيس الأركان ومسؤولين آخرين بداية الشهر الجاري إلى طرابلس، إلّا أن نتائجها لا تزال مبهمة، في ظلّ غياب الإعلان عن أيّ تفاصيل خاصة بالاتفاقيات التي جرى توقيعها خلالها، والتي تعتزم القاهرة دعم أيّ حكومة قادمة لإبطالها، مُتسلّحةً بتوقيعها من دون عرضها على مجلس النواب الذي قام بسحب الثقة من الدبيبة، وكلّف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة أخرى. لكن يبقى الأهمّ، بالنسبة إلى مصر، ما اتّفق عليه الجانبان التركي والليبي بشأن التدريبات الأمنية والعسكرية، وسط تساؤلات عمّا إذ كانت أنقرة ستُعاود تدريب عسكريين ليبيين داخل ليبيا، وإرسال ما يلزم لهذه التدريبات، أم أنها ستكتفي بتدريبهم داخل تركيا، وهو ما تترقّب القاهرة بشكل خاص آليات تنفيذه. ويبدو القلق المصري متركّزاً على الجانبَين الأمني والعسكري، حيث تخشى مصر احتمال تثبيت تواجد عسكري تركي على حدودها الغربية، وتسعى إلى منْعه مهما كان الثمن، فضلاً عن أن لديها رغبة في الاستحواذ على غالبية المشاريع التي يمكن تنفيذها في ليبيا في مرحلة ما بعد الحرب، في ظلّ استعدادها لإرسال نحو مليون عامل إلى جارتها، بما يُحقّق لها فائدة اقتصادية كبرى.
تسعى حكومة الدبيبة إلى إجراء استفتاء على الدستور وإرجاء العملية الانتخابية


وعلى خلفية ذلك، تستمرّ مصر في تحريض حكومة باشاغا، والبرلمان برئاسة عقيلة صالح، على رفض الاتفاقيات المُوقَّعة أخيراً، ومن بينها اتّفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي تَعدّها، ومعها اليونان، مخالِفة للقوانين الدولية ومتداخلة مع حدودهما البحرية. كما تعتزم القاهرة، في حال وصول الملفّ إلى الأمم المتحدة، إبراز مستندات من المسؤولين الليبيين، تؤكد أن الاتفاقيات لم تحظَ بموافقة الأطراف كافة. ويأتي هذا على رغم مساعي حكومة الدبيبة إلى طمْأنة المصريين، عبر تأكيد وزيرة خارجيتها، نجلاء المنقوش، أن البدء بتنفيذ اتفاقية الترسيم لا يزال بحاجة إلى تصديق الأمم المتحدة. أمّا الموقف الأممي من هذه المسألة فلا يزال غير حاسم، في وقت تستمرّ فيه أزمة ازدواجية السلطة (تواجُد مسؤولَين اثنين على رأس كلّ وزارة) والانقسام المالي، والتي يركّز المبعوث الأممي الجديد، السنغالي عبدالله باتيلي، جهوده عليها في إطار اللقاءات التي يُجريها منذ أيام. واللافت أن باتيلي لا يستثني حكومة باشاغا من مباحثاته تلك، على رغم أن المنظّمة الدولية تُحافظ، رسمياً، على موقف معترِف وداعم لحكومة الدبيبة. وبالاستثمار في الموقف المذكور، تحاول الحكومة المُشار إليها إطالة فترة بقائها، عبر اقتراحها إجراء استفتاء على الدستور، وإرجاء العملية الانتخابية لمدّة عام آخر على الأقلّ.