الخرطوم | يتواصل الحراك السياسي في السودان في محاولة للخروج من الأزمة المستمرّة منذ عام تقريباً، إثر انقلاب المكوِّن العسكري في «المجلس السيادي» على نظيره المدني، في 25 تشرين الأوّل الفائت. ويدور الحديث، في هذا الإطار، عن مشروع اتفاق بين قيادة الانقلاب من جهة، و«قوى الحرية والتغيير» من جهة أخرى، من أجل استعادة الحُكم المدني. واللافت، في خضمّ ذلك الحديث، هو أنه يتوازى مع تفاقُم حالة الانفلات الأمني، والتي يتمثّل آخر مظاهرها في انتشار عصابات معروفة باسم «النقرز»، تحمل أسلحة بيضاء وأخرى خفيفة، تستخدمها في ترهيب المواطنين، ونهب ممتلكاتهم، في ظلّ غياب الأجهزة الأمنية المعنيّة، في ما يُقرأ لدى البعض على أنه محاولة متعمَّدة لتصدير صورة من الفوضى، بهدف الترويج لأهمّية بقاء يد العسكر في السلطة. الاتفاق الذي تسري أنباء عن أن إعلانه بات وشيكاً، تجري بلورته تحت رعاية الآلية الثُلاثية (الاتحاد الأفريقي، منظمة الإيغاد، والأمم المتحدة)، فيما راعيه وعرّابه الفعلي هو الوساطة الرباعية المكوَّنة من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات، في مقابل غياب أيّ دور لمصر التي لا يَخفى دعمها العسكر منذ اللحظة الأولى لانقلابه على حكومة عبد الله حمدوك. ووفق بيان صادر عن «قوى الحرية والتغيير» أخيراً، فإن التحالف تلقّى، عبر اتّصالات غير رسمية مع المكوّن العسكري، ما يفيد بقبول الأخير مشروع الدستور الانتقالي الذي نجحت اللجنة التسييرية لـ«نقابة المحامين السودانيين» في صياغته وجمْع طيف واسع من الفاعلين السياسيين حوْله، ما أكْسبه زخماً داخلياً وخارجياً. وكشف البيان أن العسكر «لديه بعض الملاحظات المحدودة على مسوّدة الدستور، وعليه تمّ تشكيل لجنة لتلقّي الملاحظات ونقلها إلى هيئات التحالف للبتّ فيها». وطمْأنت «الحرية والتغيير» إلى أنها لن تُوقّع أيّ اتفاق سياسي من دون «حصول توافق عريض يشمل قوى الثورة والانتقال الديموقراطي»، مؤكّدة أن «موقفها ثابت» بأن الحلّ السياسي المقبول بالنسبة إليها، يتمثّل في «طيّ صفحة الانقلاب كلّياً، وتأسيس سلطة مدنية كاملة، والنأْي بالمؤسّسة العسكرية عن العملية السياسية، وتأسيس جيش قومي، ومخاطبة قضايا العدالة بصورة منصفة وشاملة».
راعي الاتفاق وعرّابه الفعلي هو الوساطة الرباعية المكوَّنة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات


والظاهر، على ضوء ما تَقدّم، أن الأحزاب السياسية المكوِّنة لـ«الحرية والتغيير»، توصّلت إلى قناعة بأن الانخراط في العملية السياسية، ومحاولة فرض شروطها من خلالها وتحسين صيغة الحلّ، هو الخيار الوحيد المتاح أمامها، في ظلّ تَمكّن العسكر من الصمود في السلطة، وتلقّيه دعماً إقليمياً من غير ما طرف، وتحقيقه خروقات على صعيد حصْد الاعتراف الدولي بـ«شرعيّته». وفي هذا الإطار، يفيد مصدر مطّلع من داخل الائتلاف المعارِض، «الأخبار»، بأن «المشاورات لا تزال مستمرّة حول بعض التعديلات على مسودة الدستور»، كاشفاً أن «الاتفاق سينصّ على تشكيل حكومة تكنوقراط تختارها القوى المدنية بالكامل ومنفردة، إضافة إلى اختيار رئيس الحكومة الذي سيختار قائداً عاماً للجيش، على أن يتمّ دمْج القوات الخاصة بالحركات المسلّحة خلال عامَين من توقيع الاتفاق»، مضيفاً أنه في ما يتعلّق بمجلس الأمن والدفاع، فـ«سيكون من وظائف وليس من شخصيات». ويؤكد المصدر «تمسّك الحرية والتغيير بتحقيق العدالة، وبمبدأ المحاسبة كخطوة أساسية لبناء دولة ديموقراطية»، واعداً بأن «كلّ مَن يُستدعى أو يُتَّهم في قضايا الاعتصام أو قتْل المتظاهرين، تُرفع عنه الحصانة مباشرة». ويَلفت إلى أن «الوسطاء يرون أن مطلبنا الخاص بتحقيق العدالة والمحاسبة مطلب عادل ومنطقي ولكنه لن يؤدي إلى حلّ، كما أن تنازلنا عن هذا الحق لن يضمن الاستقرار»، مضيفاً أن «قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، يدرك أنه مُدان بجرائم استخدام العنف والقتل، وإذا لم يقدّم الوسطاء حلّاً يضمن تحقيق مبدأ المحاسبة سنُواصل ثورتنا». كما يؤكد «عدم وجود تمثيل عسكري في المجالس التشريعية الولائية»، مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي أوْصل رسالة واضحة إلى العسكر بأن مسودة الدستور المطروحة من قِبَل لجنة المحامين تَصلح لتأسيس واستعادة المسار المدني الديموقراطي، وأن على البرهان إثبات جدّيته في الانسحاب من العملية السياسية وتسليم السلطة للمدنيين».
وإذ تَكشف مصادر أخرى مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن القوى الدولية الراعية للاتفاق الجديد، طلبت من الأطراف المعنيّة الإسراع في التوقيع عليه قبل يوم 21 تشرين الأول الحالي، يرى مُناهضو التسوية أن هذه الأخيرة تتماشى مع حالة «التعبئة والتصعيد الجماهيري» التي يعيشها الشارع، مُعربين عن اعتقادهم بأن مصيرها لن يختلف عن مصير الاتفاق بين رئيس الحكومة السابق، عبد الله حمدوك، والعسكر، وأنها ستؤدّي إلى سقوط «قوى الحرية والتغيير» بالنسبة إلى الشارع وتلاشيها. من جهتهما، أعلنت «قوى الحرية والتغيير - مجموعة التوافق الوطني»، و«المبادرة السودانية للترتيبات الدستورية»، رفضهما ما سمّيتاها «التسوية الثُنائية»، معتبرتَين أنها «ستضع علامة سلبية على الوضع الدستوري لقومية القوّات المسلّحة وقيادتها وأهمية وقوفها على مسافة واحدة من أطراف الأزمة»، وأن «توقيع المؤسسة العسكرية على الاتفاق يشكّك في مصداقيّة إعلانها الابتعاد عن العمل السياسي».