رام الله | سجَّلت بلدة سلواد، شرقيّ رام الله، مساء السبت، اسمها الذي لم يَغب عن سجلّ البلاد التي توجع الاحتلال، وتتقن فنَّ ضربه، وإقلاق منظومته الأمنية، في أعقاب تنفيذ عملية إطلاق نار على حافلة للمستوطنين قرب البلدة. ولولا أن الحافلة التي كانت تقلّ المستوطنين محصّنة، لكانت نتائج العملية وخسائر الاحتلال البشرية، كبيرة. مع هذا، فإن وقع العملية كان ثقيلاً على المستويين الاستخباري والأمني، فدفع جيش الاحتلال على إثرها عشرات الآليات العسكرية إلى البلدة، حيث شنّ حملة تفتيش وبحْث لم تُسفر عن اعتقالات، وسط مواجهات اندلعت مع الشبان، وتخلّلها إطلاق قنابل صوت وغاز مسيّل للدموع. واعتباراً من ليل السبت، حاصرت قوات الاحتلال البلدة، وأغلقت، صباح أمس، بالسواتر الترابية، مدخلها الغربي، فيما نصبت حاجزاً عسكريّاً على مدخلها الشرقي. وتُعدّ عملية سلواد هي الثانية من نوعها التي تُنفّذ في محيط البلدة في غضون شهرين.وتشكِّل سلواد، منذ عشرات السنين، أحد رؤوس حربة المقاومة في الضفة الغربية، بعدما أنجبت عشرات الخلايا العسكرية التي تركت بصمتها في التاريخ الوطني الفلسطيني. ولعلّ أبرز فدائييها: القائد في «كتائب القسّام» إبراهيم حامد، المحكوم بالسجن 54 مؤبداً، والذي طاردته إسرائيل لمدّة 10 سنوات ولقّبته بـ«الشبح»، واتّهمته بالمسؤولية عن مقتل وإصابة مئات المستوطنين، بينما بلغ عدد أوراق ملفّ القضية التي قُدِّمت إلى المحكمة ضدّه 11 ألف صفحة، إضافةً إلى الأسير ثائر حماد، الذي نفّذ عملية «عيون الحرامية» في آذار 2002، وقتل فيها نحو 10 جنود قنصاً، فيما لم يُكشف أمره إلّا بعد عامين، إلى جانب الكثير من الخلايا العسكرية التي نَفّذت عشرات العمليات الفدائية. ومع كل مرّة، تتصدّر سلواد المشهد المقاوم في الضفة، يعاود الفلسطينيون نشْر محطّات من تاريخها على وسائل التواصل الاجتماعي، وما قاله الشهيد باسل الأعرج عنها في كتابه «وجدت أجوبتي» من أن «سلواد بلدة يحبّها الله ورسوله والمؤمنون، ولا يكرهها إلّا منافق»، في دلالة على تاريخها النضالي الممتدّ والمتوارَث.
وتأتي عملية سلواد الأخيرة لتؤكد الهويّة المقاوِمة للبلدة، وتناقُل هذا الإرث بين الأجيال، من دون أيّ اعتبار لكل الاعتداءات أو العقوبات التي قد يفرضها الاحتلال عليها. وفي السياق الوطني العام، تأتي في ظلّ تصاعد نفس المقاومة وعملها في الضفة الغربية، فيما لا يمكن فصْلها عن الردّ الفلسطيني على اغتيال شهداء جنين ونابلس، والعدوان على غزة.
تأتي عملية سلواد الأخيرة لتؤكد الهويّة المقاوِمة للبلدة، وتناقُل هذا الإرث بين الأجيال


وعاشت سلواد طفرةً في العمليات الفدائية التي تستهدف نقاط وحواجز جيش الاحتلال المحيطة بالبلدة، وتحديداً منذ تشييعها، في 25 حزيران، الشهيد الفتى محمد حامد. ولعلّ ما يميّز العمل المقاوم فيها، هو البيئة الحاضنة للمقاومين. كما تأتي عملية سلواد لتؤكد قدرة المقاوم الفلسطيني على القيام بعمليّته الفدائية، وفق ظروفه، واختياره الزمان والمكان المناسبَين، وتهيئة الظروف المناسبة بعد ذلك، للتخفّي وإشغال المنظومة الأمنية والاستخبارية للاحتلال، ولتؤكد أيضاً أن العدو غير قادر على اجتثاث المقاومة. كما جاءت العملية لتسليط الضوء على أهمية واستثنائية العمليات الفردية، التي تُفاجئ العدو وتصفع منظومته الأمنية في كل مرّة تقع إحداها، على غرار عملية القدس في 15 آب، إذ كانت التقديرات الأمنية بعدها تفيد بأن العملية القادمة واقعة لا محالة، من دون معرفة مكانها أو توقيتها، وهو ما يجلّي فشل كل القدرات الاستخبارية والتكنولوجية الإسرائيلية في منْع هذا النوع من الاستهدافات.
وشكّلت عملية سلواد صفعةً لما حاولت إسرائيل تسويقه على أنه «إنجاز أمني» قبل وقوعها بساعات، حين أعلنت ضبط ثلاث نساء من مدينة نابلس يقدن مركبة، وكان بحوزتهنّ بندقية «كارلو» محليّة الصنع، وكنّ في طريقهنّ لتنفيذ عملية فدائية. وكتبت الصحافية شذى حماد، من بلدة سلواد، في تغريدة تعقيباً على العملية، أن «المنفّذين أصبحوا يتبعون استراتيجيات متنوعة لا تقوم على رِيتم واحد في تنفيذ عمليات إطلاق النار، بدءاً من اختيار الأماكن، والتوقيت، وصولاً إلى استدراج قوات الاحتلال ومعاودة استهدافها». وتابعت: «عملية عيون الحرامية الأخيرة كان لها رِيتم مختلف عن العمليات في الآونة الأخيرة (...) إذ إن منفّذي العملية اختاروا المكان أوّلاً، ثم حدّدوا هدفهم المتمثّل بمركبة مستوطنين في طريقها بين مستوطنتَين ليل السبت/ الأحد، وتمكّن المنفّذ من استعادة المكان والزمان الذي يصادره المستعمر ويستولي عليه، وهو ما تمثّل في إعادة فرض الفلسطيني معادلة مكانية زمانية جديدة يقودها ويتحكّم فيها متحرّراً من السيطرة الاستعمارية». ولفتت الى أن «جيش الاحتلال استنفر مجدّداً، وأعلن سلواد منطقة عسكرية مغلقة، وبدأ بعمليات استعراضه العسكري بنصب الحواجز واقتحام البلدة بأعداد كبيرة، وإطلاق القنابل الصوتية، ومصادرة تسجيلات الكاميرات (...) ويبدو جليّاً مدى عشوائية فعله وتخبّطه، سواء إذا تمثّل ذلك بفشل مستمر بالوصول إلى المنفذ/ المنفذين، أو محاولاته المستمرة بفرض قمع على سلواد واقتلاع مقاومتها التي لا تنفكّ عن الانبعاث».