حتى الآن، لا ينبع الانكباح الإسرائيلي عن المبادرة إلى عدوان واسع في غزة إلا من حسابات تتصل بالجدوى والتوقيت، إضافة إلى قراءة الظروف الإقليمية، انطلاقاً من أن الأولوية قد تكون في مكان آخر خلال هذه المرحلة. من هنا يبدو الحرص الذي يظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن التمهل قبل شن أي عملية في غزة، على عكس موقفه من فلسطينيي أراضي الـ 48 الذين وجّه لهم تحذيراً برد حازم على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي انفجرت داخل الأراضي المحتلة.
بين هذه المراوحة، تواكب إسرائيل اعتداءاتها «المحدودة» في القطاع، مع تأكيدها أن أداءها لن يستمر على ما هو عليه، إذا ما أخفقت الاتصالات في تحقيق التهدئة. هي لجأت إلى التهويل في أعقاب إخفاق ردع فصائل المقاومة بعد منسوب مدروس من الضربات الجوية التي تتواصل منذ أيام. ويضع استمرار إطلاق الصواريخ على مستوطنات الجنوب، القيادة الإسرائيلية، بين خيار الارتقاء بتدرج تصاعدي، وهو ما سيستدرج ضربات عسكرية مضادة قد تطال العمق الإسرائيلي ويحرج القيادة في تل أبيب، وبين نحو عدوان واسع ضد غزة. عن خيار العدوان الواسع، من الواضح أن الإسرائيلي يحاول ابتداء تجنبه. ويعود ذلك إلى مجموعة اعتبارات؛ منها اللحظة الإقليمية التي وصفها نتنياهو قبل أيام، من على منبر معهد أبحاث الأمن القومي، بأنها تمر بـ«تحول تاريخي». كذلك، فإن الأولوية التي تسيطر على اهتمامات الحكومة الإسرائيلية حاليّاً هي المفاوضات النووية بين إيران والسداسية الدولية التي بلغت نقطة حاسمة.
على محور قريب، لا شك أن اتساع نطاق المواجهات مع الفلسطينيين وانتقالها إلى الخط الأخضر عزز المخاوف الإسرائيلية من انفجار شعبي واسع في حال اتساع نطاق الاعتداءات لتشمل غزة. كذلك استجد عامل إضافي كان حاضراً سابقاً، لكنه بات أكثر فعالية، وهو «تمدد تيارات الجهاد العالمي» في سوريا والعراق وسيناء، وتفرعاته في الأردن وغزة، وهذا الواقع يفرض على القيادة الإسرائيلية السؤال عن البديل عن «حماس» لو ضعفت.

ليبرمان وبينيت
عارضا «سياسة
نتنياهو ضبط النفس» تجاه غزة
تأسيساً على ما سبق، الواضح أن الأولوية في هذه المرحلة هي للقنوات السياسية غير المعلنة، بانتظار ما ستؤول إليه النتائج، وخاصة أن الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) لا يريدان الدفع نحو مواجهة واسعة، لكن من دون تخليهما عن سقف يلتزمه الطرف الآخر.
هذه السياسة يمكن وصفها بالتأني ارتباطاً بالخلفيات الإقليمية، كما يمكن تلمس معالمها في الموقف الذي أعلنه نتنياهو خلال جلسة الحكومة أمس، حينما أوضح أن «التجربة تثبت أنه في لحظات مماثلة ينبغي التصرف بصبر ومسؤولية لا بتسرع وتهور»، وذلك ردّاً على انتقادات الوزيرين نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان إزاء ما قالا إنها سياسة ضبط النفس في مقابل غزة.
رغم نهج نتنياهو إزاء القطاع، فإنه لا يحظى بموافقة القيادات الإسرائيلية المشاركة في الحكومة، على أنهم يدركون الاعتبارات المذكورة سابقاً، فمنهم من لا يزال يدعو إلى الرد بشدة، فيما يؤكد آخرون ضرورة استنفاد الخيارات البديلة قبل الذهاب نحو خيارات أشد عنفاً.
في الجلسة نفسها، حضر بقوة تحرك فلسطينيي الـ 48، وفي تعبيرٍ عن المخاوف التي ارتفع منسوبها لدى القيادة الإسرائيلية، وجه نتنياهو رسالة إلى الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية بضرورة «تحمل المسؤولية والوقف بوجه موجة خرق القانون». أيضاً، هو اختار تحذيرهم بالقول: «لا مكان في إسرائيل لرشق الحجارة وقطع الطرقات والتحريض ضد حق إسرائيل في الوجود».
على المنوال نفسه، استغل وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الاحتجاجات التي شهدتها مدينة قلنسوة للتحريض على الجماهير العربية، معتبراً أن مكانهم «ليس في إسرائيل»، وحتى ذلك الوقت «مكانهم السجن». وطالب بما سماه «عقاباً رادعاً» ضد «المخلين بالنظام في قلنسوة»، كما طالب بفرض أحكام قاسية تنطوي على رسالة ردع حازمة للذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وفي محاولة لامتصاص النقمة الفلسطينية، ذكرت تقارير عبرية خبر اعتقال ستة مستوطنين بشبهة اختطاف وقتل الفتى محمد أبو خضير. وقالت بعض التقارير إن «المشتبه فيهم هم يهود متطرفون»، كما نقل موقع «واللا» عن مسؤول أمني، قوله إن «اللغز يتضح، ولدينا اعتقاد اليوم بنسبة 70 ــ 80% بأن خلفية القتل قومية».