بغداد | يتوجس أبناء السنّة القاطنون في العاصمة بغداد، مخافة تكرار سيناريو عام 2006 غداة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وما تبعه من أعمال عنف طائفية. القلق والخوف باتا واضحين خلال اليومين الماضيين، إذ غدت أحياء العامرية والمنصور والأعظمية التجارية التي تسكنها غالبية سنية شبه خالية، حيث لزم السكان منازلهم خوفاً من القادم المجهول، ولا سيما مع توارد أنباء عن استعراض لميليشيا شيعية معروفة في حي الغزالية السني، الواقع غربي العاصمة.
الأزمة الأمنية في العراق دخلت منعطفاً جديداً بعد إعلان مراجع الشيعة في النجف فتوى الجهاد، لصد هجمة تنظيم «داعش»، في وقت انقسم فيه علماء سنة على هذا الإعلان، إذ اعتبرها البعض بمثابة إعلان حرب على السنّة، فيما أيد البعض الآخر الدعوة مصحوبة بالتحذير من عودة الميليشيات.
وانتقد ساسة سنّة فتوى مراجع النجف، لأنها «تعطي الضوء الأخضر لانخراط الميليشيات الشيعية في صفوف قوات الأمن، واحتمال ارتكابها عمليات تصفية طائفية ضد أبناء السنة، حال دخولها لتلك المناطق التي تسيطر عليها «داعش».
ويقول النائب عن نينوى محمد إقبال «إن زج الميليشيات في صفوف الجيش سيعطي المبرر لتشكيل ميليشيات سنية بالمقابل، ما يفتح الباب أمام تحول حلبة الصراع الأمني إلى نزاع طائفي».
ويأخذ علماء دين سنة، وبينهم رافع الرفاعي، على السيستاني سكوته دهراً طويلاً على «مذابح الاحتلال الأميركي ضد أبناء السنة، ومن بعده جرائم جيش المالكي، فيما يعلن الجهاد إنقاذاً لحكومة المالكي من المسلحين».

ما حدث سيعيد
صياغة العملية السياسية من جديد

لكن المحلل السياسي إحسان الشمري، يرى في حديثه لـ«الأخبار»، أن «فتوى السيستاني لم تكن ردة فعل سريعة للأحداث في الموصل وصلاح الدين، بل جاءت استشعاراً للخطر الكبير الذي تتعرض له البلاد»، مستدلاً في ذلك بتصريح رئيس البرلمان أسامة النجيفي الذي أعلن قبل أيام أن «سقوط الموصل كان بسبب غزو خارجي». ويختلف ساسة وعلماء السنة في ما بينهم في توصيف ما يجري على الأرض من أحداث، إذ يعتبر بعضهم نشاط المسلحين في مناطقهم «انتفاضة المظلوم على الظالم»، فيما يرى علماء سنّة معتدلون أن ما يجري إرهاب حقيقي، داعين أبناء السنة إلى التطوع في صفوف الجيش. ويشعر سنّة العراق، الذين كانوا يسيطرون في عهد النظام السابق على أهم المناصب في الدولة ونعموا بثرواتها، بالتهميش والإقصاء من الحكومة التي يرأسها نوري المالكي، ويتهمونه بزج الآلاف من أبنائهم بالسجون بتهم الإرهاب.
ويقول النائب محمد إقبال «إن السياسات الإقصائية التي اعتمدها رئيس الحكومة ضد أبناء السنة، والاعتقالات العشوائية بحقهم، دون الأكراد والشيعة، دفعتهم إلى إعلان التمرد ضد الحكومة، وإنشاء ما سُمي ساحات الاعتصام في ست محافظات عراقية». ويضيف إقبال إن «التسويف والمماطلة اللتين انتهجهما رئيس الحكومة نوري المالكي في التعامل مع مطالب المتظاهرين، واعتبارهم عراقيين من الدرجة الثانية، حفّزا «داعش» على إعادة تنظيم صفوفه وبناء حواضنه من جديد».
أما الشمري، فيرى أن «العنف المتنامي في المناطق الغربية، أحرج الساسة السنة المعتدلين الذين انخرطوا في العملية السياسية، وأغضبوا المسلحين الممسكين بتلابيب الأرض، فأصبحوا بين كماشة المسلحين، وفك السلطة الذي جعل بعضهم بيادق شطرنج يحركهم كيفما يشاء».وأضاف إن تشتت المرجعيات السنية، وعدم اتفاق ساستهم أضعفا موقفهم كثيراً، أمام نظرائهم الشيعة والأكراد، وكلفهم خسارة الكثير، أولها منصب رئاسة الجمهورية الذي ذهب إلى الأكراد، بعدما عُهد إليهم في حكومة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003. وبينما يتبع غالبية الشيعة المرجع السيستاني، فإن السنّة يعانون من تعدد مرجعياتهم التي تتسابق على الفوز بقرار أهل السنة والجماعة. فهناك المرجع عبد الملك السعدي المقيم في عمّان، ولديه أتباع في عدة مدن سنية، ومفتي الديار العراقية رافع الرفاعي الذي يقيم في أربيل ويتركز أتباعه في سامراء والموصل، وحارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين ولديه مريدون في محافظة الأنبار.
ويعتقد المراقبون أن ما حدث في الموصل وصلاح الدين، وما سيحدث في قادم الأيام بالعاصمة بغداد، سيعيد صياغة العملية السياسية في العراق من جديد، وستكون المساحة الكبرى فيها للساسة المعتدلين من كل الطوائف، أما العامل الدولي والإقليمي، فسيكون المحرك الأساس لها.