برغم أن لا موقف رسميّاً إسرائيليّاً حتى الآن تجاه الحدث العراقي، فإن الخبراء والمعلقين العسكريين تناولوا التطورات الدراماتيكية في العراق على قاعدة استخلاص العبر، والتوظيف السياسي لجهة الدعوة إلى التمسك بغور الأردن، وذلك في إطار الضمانة الأمنية، وخاصة في ظل سرعة التطورات غير المتوقعة في المنطقة، فضلاً عن إشارة بعضهم إلى أن أنظمة محور المقاومة هي على مهداف هذه الجماعات.
ويرى محللون عسكريون إسرائيليون أن التطورات الدراماتيكية في العراق بعد سيطرة «داعش» على مدينة الموصل، إلى جانب الأحداث في السنوات الأخيرة في سوريا ولبنان وسيناء، كلها تفرض على إسرائيل مواصلة التمسك بمنطقة غور الأردن. ولفت المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، إلى أن «سيطرة داعش تعني نشوء قاعدة واسعة للجهاد العالمي عند عتبة بابنا وعلى مسافة ليست بعيدة عن أوروبا، كذلك إن أنظمة عربية في المهداف الآن مثل بشار الأسد في دمشق ونوري المالكي في العراق، وأيضاً الحكومة اللبنانية التي تستند إلى حزب الله في لبنان».
بن يشاي أشار أيضاً إلى القلق الإسرائيلي بخصوص «تحول إسرائيل إلى الهدف الأساسي في مرحلة لاحقة». وتحدث أيضاً عن تداعيات ذلك على تعزيز قوة الجهاد العالمي في سيناء، أي على قاعدة أن نجاح أي حركات متطرفة في بقعة جغرافية مثل العراق أو سوريا سينعكس ـ حكماً ـ إيجاباً على الفصائل المماثلة لها في ساحات أخرى. ورأى المعلق العسكري أن «احتلال الموصل محطة فارقة في تفكيك دول كثيرة في المنطقة»، شارحاً أن الدول التي نشأت بعد اتفاقية «سايكس ـ بيكو» آخذة بالتفكك إلى عناصرها العرقية والدينية، «الأمر الذي يعد بسنوات كثيرة مقبلة من الفوضى والحرب». لكنه تجاهل المصلحة الإسرائيلية في سيناريو تشظي دول المنطقة إلى كتل متناحرة تكون فيها تل أبيب هي المسيطرة.


نزع السلاح
من مناطق الحدود يعطي الأمان وفق الرؤية الإسرائيلية

بدوره، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن ثمة ثلاث أفكار تراود الإسرائيليين إثر التطورات الأخيرة في بغداد: «الأولى أنه يجب على إسرائيل بذل جهدها لمواصلة تعزيز قوة الأردن»، مشدداً على أن «بقاء العائلة المالكة الهاشمية مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى». ولفت في الوقت نفسه إلى أن «التنسيق الاستراتيجي والعلاقات الاقتصادية بين الدولتين تقدمت خلال سنوات الهزة العربية»، موضحاً أن الأردن «بات بحاجة إلى إسرائيل أكثر مما مضى». الثانية، وفق هرئيل، أن «التطورات في الشرق الأوسط تجري بوتيرة عالية للغاية إلى درجة تجعل من الصعب جدّاً توقع التغيرات والتحولات». في ضوء ذلك، يرى أن على تل أبيب أن «تأخذ بالحسبان حدوث مفاجآت مشابهة من ضمنها محاولات إقدام فصائل القاعدة في الجولان على تنفيذ هجمات عدائية، برغم أنها منشغلة حالياً بحربها ضد الأسد وحزب الله».
الثالثة تتصل بالعبرة لجهة مدى الاتكال على الترتيبات الأمنية التي يخلفها الأميركيون وراءهم. هنا أشار إلى ما سماه «انهيار الجيش العراقي الذي تشكل على أيدي الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، ويأتي ذلك بعد انهيار قوات السلطة الفلسطينية في حزيران 2007، وهربها من قطاع غزة بعد المواجهة مع حركة حماس». وتوقف هرئيل عند حقيقة «أن الضابط الأميركي نفسه، الجنرال المتقاعد جيمس جونز، شارك في فحص الخطة العسكرية التي أعدتها واشنطن لمصلحة الطرفين: رام الله وبغداد». كذلك تساءل المعلق في «هآرتس» عما سيحدث في الضفة من دون مظلة أمنية أميركية، وعملياً مظلة إسرائيلية أيضاً، «وخاصة عندما تبقى السلطة وحدها في إدارة شؤونها».
في السياق نفسه، تناول القائد السابق للجبهة الوسطى في جيش الاحتلال والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، اللواء احتياط عوزي ديان، تطورات الساحة العراقية، وذلك لجهة انعكاسها على الأمن الإسرائيلي بالمعنى المباشر. ورأى أنه في «حال انعدام اليقين ينبغي العمل وفق قاعدتين: جهز نفسك وفقاً لقدرات العدو لا نيّاته. وحافظ بحرص شديد على ذخرك الاستراتيجي خاصة الحدود الآمنة». في ظل هذا التصور، نبّه ديان إلى ضرورة أن توفر الحدود الآمنة لإسرائيل عمقاً استراتيجيّاً أساسيّاً، «أي الدفاع ضد تهديدات بشن هجمات تقليدية من الخارج، وقدرة على قتال فعال ضد الإرهاب».
عن الواقع الآن، رأى القائد العسكري السابق، في مقالته في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن «حدوداً آمنة كهذه موجودة في الجبهة الجنوبية بفضل كون سيناء منزوعة السلاح بموجب اتفاقية كامب ديفيد». وعلى جبهتها الشمالية «بفضل امتناع إسرائيل عن تسليم مرتفعات الجولان لسوريا». أما في ما يتعلق بالجبهة الشرقية، أي الأردن، فينظر ديان، إلى أنه «توجد حدود واحدة فقط تستجيب للاحتياجات الأمنية، هي غور الأردن». مضيفاً: «المسافة بين نهر الأردن والبحر المتوسط 64 كم، وتشكل حدّاً أدنى من العمق الاستراتيجي. وغور الأردن، أي من النهر إلى الجبال المطلة عليه، هو حيز دفاعي لا بديل منه ضد جبهة شرقية. والغور وحده بإمكانه أن يشكل غلافاً دفاعياً ضد نشوء كيان إرهابي في الضفة». وخلص في نهاية حديثه إلى أن الوضع في العراق شائك، «لكن الرسالة واضحة، وهي أن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غور الأردن وجعله منطقة أمنية تستند إلى أن نهر الأردن هو خط الحدود، ستوفر الأمن لإسرائيل».
في «يديعوت أحرنوت» أيضاً، رأى بن درور يميني أن «ما يجري يفرض علينا إعادة التفكير في كل ما نعرفه عن الشرق الأوسط»، ولفت إلى أن المساحة التي تسيطر عليها «داعش» أكبر من مساحة إسرائيل ولبنان معاً. مضيفاً: «المعنى الاستراتيجي والجغرافي السياسي للكيان الجديد أكبر بكثير من أي حدث آخر في المنطقة».