غزة | لا يبدو أن الدور الذي لعبه فلسطينيو الداخل المحتلّ انتهى مع توقُّف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ يواصل أهالي الـ48 إثبات حضورهم، إنما على نحو أكثر شاعرية؛ فلَم يَرُقْ للعشرات من أطباء مُدن أمّ الفحم وعكا والرملة أن يتركوا شوارع غزة وقد غيَّب الرماد ملامحها، فامتدت أيديهم لدعم أكبر مبادرة تطوّعية منذ انتهاء العدوان. مبادرةٌ لا تبدو مهمّة بآثارها العملية فحسب، إنّما بقيمتها الوطنية، وخصوصاً أنها حملت عنوان «مصابكم مصابنا».أكثر من 1200 شاب مِن خريجي الجامعات والموهوبين والعاطلين من العمل شاركوا في مبادرة «مصابكم مصابنا» التي تهدف إلى إزالة آثار العدوان المادية عن شوارع القطاع، «إذ لم يَعُدْ مقبولاً أن تحيط مشاهد الدمار والركام بسكّان غزة أثناء تجوالهم»، يقول أحمد أبو سلمية، منسّق الحملة، ويتابع، في حديثه إلى «الأخبار»: «هدفنا هو تجميل الشوارع التي طاولها القصف، فمشهد الركام يُقدِّم انطباعات نفسية سيئة. في هذه الحملة، نعمل بقدر استطاعتنا على تجميل الشوارع وتزيينها، وطمس آثار القصف، وإخفاء مظاهر العدوان بالرسومات واللوحات الفنية». ووفقاً لأبو سلمية، فإن الحملة ستتضمّن عدّة نشاطات، تتنوّع ما بين الفنية والتوعوية والترفيهية والدعم النفسي للأطفال، وستستمرّ على مدى 28 يوماً، حيث سيتلقّى الشباب المشاركون هدايا مادية رمزية قدّمها أطباء وشخصيات اعتبارية من «أهلنا في الداخل المحتلّ».
الحملة التي انطلقت يوم السبت الماضي من أمام برج الجلاء وسط غزة، ولاقت حضوراً شعبياً لافتاً، تنطوي، وفق ما يرى المنظمون لها، على بُعد وطني وحدوي، حاول الاحتلال الإسرائيلي طويلاً تغييبه؛ إذ يرى وليد المحلاوي، المنسق الإعلامي لـ»مصابكم مصابنا»، أن «الشعور بأن أهلنا من فلسطينيي الداخل يشعرون بمصابنا وبحصارنا، هو رسالة تتجاوز محاولات التفريق المناطقي التي لعبت عليها إسرائيل طوال سنوات». بالنسبة إلى صبا، وهي فنانة تشكيلية، فإن المشاركة في الحملة عبر تزيين الجدران باللوحات والرسومات، هي واحدة من أشكال المقاومة. وتقول لـ»الأخبار»: «كوننا نغيّر المشهد الذي يحب أن يرانا فيه الاحتلال الإسرائيلي وهو مشهد الدمار والركام، بالألوان والرسومات الزاهية، فذلك شكل من أشكال المقاومة التي تغيظ المحتلّ. لذا، سنرسم على كل برج مدمّر لوحة، ومكان كلّ قذيفة دبابة، سنزرع وردة».