المنامة | تتكرر دعوات النظام الحاكم في البحرين إلى أهمية الحوار الوطني وإنجاحه، إلى درجة وصول قناعات البحرينيين إلى عدم الالتفات للدعوة من أي مصدر صدرت عنه، بما أنها ستكون كما سابقاتها من الدعوات مجرد كلام يصرف في مرحلة يريد النظام إمرار أي أمر يهمه. وبعد «غفوةٍ طويلة» عن المشهد السياسي، خرج الملك حمد بن عيسى آل خليفة مجدداً لوسائل الإعلام، معلناً استمرار الحوار الوطني «المُعلّق» واحترامه لرجل الدين الأكثر شعبية في المملكة الشيخ عيسى قاسم واعتباره أحد قادة المجتمع البحريني البارزين.

تصريح الملك الذي جاء قبل أسبوع، بعيد زيارة «استجمام» إلى كازاخستان، حاول من خلاله التركيز على أهمية الحوار كمنطلق لحل الأزمة سياسياً، مستشهداً بأن الحوار الوطني الأول نجم عنه 11 تعديلاً دستورياً لم ترفضها السلطات ولم تقف في وجه إجرائها.
متابعون للشأن البحريني رأوا أن تصريحات الملك جاءت مع اقتراب الانتخابات النيابية والبلدية، والمقررة في شهر تشرين الأول، وأن الملك قلقٌ من عدم مشاركة المعارضة وإفشال ما يسميه مشروعه الإصلاحي الديموقراطي.
خبيرٌ مطلع على شؤون المملكة، أكد لـ«الأخبار» أن ملك البحرين أنشأ «بوليصة تأمين» كبيرة، ولم يكن ظهوره وحديثه هذه المرة عن الحوار والإصلاحات إلا انتهاءً «لإجازته السياسية» عن المشهد «صورياً». وأضاف الخبير، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، «أن «بوليصة» ملك البحرين الدولية اتخذت صوراً مختلفة، تمثلت في اتفاقيات أمنية لا أمد لها مع المغرب والأردن وباكستان لضمان تأسيس «مخزن دولي» لقوات مرتزقة «احتياطيين» لقمع أي احتجاجات متوقعة عاجلاً أو آجلاً».
ولفت الخبير إلى أن المملكة تترقب انتهاء الانتخابات الرئاسية في مصر لاكتمال نصاب «البوليصة الأمنية» بعد تبادل النظام الحاكم في البحرين والسلطة المؤقتة في مصر «غمزات الغزل الأمني» بمكافحة الإرهاب، الذي يؤكد التمهيد لاتفاقية أمنية معلنة قريبة مع مصر.
وكشف الخبير أن «البوليصة الدولية» الباهظة قد تأمّنت أميركياً وبريطانياً، اتفاقية متجددة بين الولايات المتحدة والأنظمة الخليجية بما فيها البحرين، عبر رسائل تبثها الإدارة الأميركية بين الحين والآخر لأبرز حلفائها في منطقة الخليج والشرق الأوسط، حفاظاً على مصالحها في الخليج وتعزيز وجودها العسكري. ولفت الخبير قائلاً: «بحسب معلوماتي، إن تصريحات السفير الأميركي السابق في المنامة، آدم إيرلي، أخيراً لإحدى وسائل الإعلام، كانت رسالة «منسقة مسبقاً»، وغير مباشرة من الإدارة الأميركية لتأكيد الاطمئنان لدى نظام آل خليفة في البحرين بعدم التخلي عنهم كما حدث مع حلفائهم السابقين، وتكرار ما حدث مع «بن علي في تونس ومبارك في مصر»». ولفت إلى «أن استمرار هذا الدعم اشترط على النظام الحاكم في البحرين ضمانة التخلي عن دعم العناصر ذات الطابع الإسلامي المتشدد، «السلفية تحديداً»، بحكم قربها من تنظيم «القاعدة»، وذلك بإبعاد هذه العناصر عن مراكز صنع القرار في الدولة، وإقصائهم من المشهد السياسي في المرحلة المقبلة»، حسب تعبير الخبير.
المعارضة بدورها أجمعت على أن التجربة مع النظام الحاكم لم تدع مجالاً لأن يخرج أي حوار معه بنتائج ايجابية في ظل التصعيد الأمني المستمر وحملة الاعتقالات.
الأمين العام للتجمع الوحدوي فاضل عباس، أوضح أن التجمع يدعم اي حوار من شأنه المساعدة بالخروج بحل، لكن تسليم ملف الحوار لأشخاص استفزازيين من النظام امثال وزير الديوان خالد بن أحمد آل خليفة، يفترض أن يكونوا خارج أي حل سياسي، باعتبارهم مسؤولين عن استمرار الأزمة، يثير الشكوك حول تبادل الأدوار بين أقطاب النظام لكسب الوقت وعدم وجود رغبة حقيقية في الوصول إلى توافق سياسي.
فتح باب الثقة من
جديد بين المعارضة والنظام يحتاج إلى ممارسات على الأرض


التجربة مع النظام
لا تبشر بخروج الحوار
معه بنتائج ايجابية
وشدّد عباس لـ«الأخبار» على انعدام الثقة بين النظام والمعارضة، نظراً إلى ممارسات النظام السابقة وإخلاله بالوعود التى كان يطلقها إبان محادثات عام 2001، للتصديق على ميثاق العمل الوطني وما بعدها من وعود كثيرة لم تنفذ.
بدوره، رأى القيادي في تيار العمل الإسلامي جواد عبد الوهاب أن تصريحات الملك عن احترامه لرجل الدين عيسى قاسم: «لم تأتِ من فراغ، بل تنسجم مع عقلية النفاق والدجل الذي يتصف بها الرجل ونظامه».
وأضاف عبد الوهاب لـ«الأخبار» أن «الملك يتبجح اليوم باحترام أحد قادة المجتمع، في إشارة إلى الشيخ عيسى قاسم، فيما قامت أجهزته بترحيل الشيخ حسين النجاتي عن البلاد قسراً»، وهو أحد قادة المجتمع البحريني البارزين ووكيل المرجع السيد علي السيستاني، بالإضافة إلى إسقاط الجنسية عنه مع ثلاثين معارضاً، وقد وصفهم الملك بـ«الشرذمة والكُفّار». وحمّل الملك المسؤولية عن سجن آلاف المعتقلين، بمن فيهم قادة المعارضة الوطنية، بما أنه مسؤولٌ عن الأحكام القضائية المسيسة ضد المعارضين بهيمنته على السلطة القضائية، وانتقاء قضاة يضطهدون المعارضين مقابل حماية المجرمين الذين مارسوا أبشع الانتهاكات ضد الإنسانية، وفي ظل دعمه لسياسة الإفلات من العقاب بترقية المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
ولفت عبد الوهاب إلى أن هذه التصريحات لن تنطلي على الشعب الثائر أو قادة المعارضة التي تعلم أبعادها، وهي التفافٌ على المطالب الشعبية بالتحرر من الظلم والديكتاتورية، وتضليل المجتمع الدولي لتفادي ضغوطه المستمرة على النظام الحاكم.
أما رئيس شورى حركة الوفاق جميل كاظم، فرأى أن الدعوة إلى استكمال الحوار لن تكون بمستوى الذهاب بعيداً عن وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، باعتباره شخصيةً محورية في الأسرة الحاكمة، لافتاً إلى وجود أزمة ثقة بين الحكم وأغلبية المكونات في المجتمع السياسي، بسبب استحكام الأزمة الدستورية والسياسية.
وأوضح كاظم لـ«الأخبار» أن فتح باب الثقة من جديد بين المعارضة والنظام يحتاج إلى ممارسات على الأرض، تهيئ الأجواء وتبني جسور الثقة بتحديد خريطة الطريق لحوار جاد، يفضي إلى حل عادل مبني على الشراكة الوطنية.
بدوره، مسؤول الرصد والمتابعة في مركز البحرين لحقوق الإنسان، سيد يوسف المحافظة، استشهد بتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل ثلاثة أعوام، الذي قال فيه «إنه لا يمكن أن يكون هناك حوارٌ ناجح وقيادات المعارضة السياسية السلمية خلف القضبان»، لتأكيد انعدام فرص الحوار بالنجاح. وأوضح المحافظة لـ«الأخبار» أن المركز لا يرصد تصريحات، بل يرصد الممارسات التي تحصل على أرض الواقع، فالدعوة للحوار في العام الماضي 2013، أعقبها اعتقال المئات من المواطنين وسقوط عشرات الشهداء، وبعد دعوة ولي العهد للحوار في كانون الثاني الماضي حتى نيسان الجاري، تلاها اعتقال قرابة 500 معتقل رأي وقتل ثلاثة مواطنين، كذلك أصدر القضاء «المسيّس» أحكاماً قاسية بالسجن على عشرات المواطنين، تبدأ من سنة إلى السجن المؤبد بتهم تتعلق بنشاطهم السلمي والتعبير عن الرأي، فيما لا يزال الاعتقال التعسفي والتعذيب الوحشي مستمرٌ حسب شهادات المعتقلين الموثقة يومياً، وحملات القمع والعقاب الجماعي على المدن والقرى، والخطابات الإعلامية المحرضة على الكراهية في أجهزة الإعلام الرسمي، والتغاضي عن الانتهاكات الإنسانية، تأكيد لعدم جدية النظام في إيجاد حلٍ يوقف الأزمة الحقوقية، بل هو لتفادي الضغط الدولي وتضليل الرأي العام.
وأضاف: السلطات بيد الملك، ما يخالف قوله إن الشعب مصدر السلطات، فهو رأس السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية ويعيّن الحكومة ومسؤوليها، وقد انتقم الملك من معارضيه عبر تعيين مباشر لوكلاء النيابة، كذلك باشر الملك بسنّ قانون السجن من ثلاث إلى خمس سنوات، يعاقب من ينتقد هذه السياسة أو يطالب بانتقالها للشعب، وقد حدث ذلك أخيراً مع المدوّن علي المعراج ورجل الدين كامل الهاشمي.




من يداوي الاقتصاد المتردي؟

أوضح النائب المستقيل عن كتلة الوفاق المعارضة، الاقتصادي، جاسم حسين، أن المؤشر المتدني للبورصة الاقتصادية البحرينية وبشكلٍ «رهيب»، دق ناقوس الخطر على الوضع الاقتصادي المنهار والمتهاوي للبلاد، ولفت إلى أن الدعوة إلى استكمال الحوار الوطني دليلٌ واضح على بوادر استيقاظ النظام «ولو كان متأخراً» لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما عصفت الأزمة السياسية بالاقتصاد البحريني منذ اندلاع الحراك الشعبي في 14 شباط 2011 حتى يومنا هذا. وفي السياق، أكدت مصادر اقتصادية تراجع مؤشر بورصة البحرينية بنحو جماعي منتصف آذار الماضي، وسط توقع باستمرار هبوط المؤشر الرئيسي في حركته. فقد هبط المؤشر الرئيسي للسوق بمقدار 0.92% مايعادل 12.76 نقطة ليصل إلى 1374.61 نقطة، وأضاف المصدر لـ«الأخبار» أن هذه الخسارة للقيمة السوقية تعادل 71 مليون دينار لتسجل 7,682 مليار دينار مقابل 7,753 مليار دينار بحريني.
على صعيد متصل، أكدت مصادر اقتصادية بحرينية تكرار التراجع أواخر آذار الماضي في البورصة لأول مرة بشكل أسبوعي خلال عام 2014، حيث فقد المؤشر الرئيسي 45.26 نقطة وبنسبة 3.26 في المئة ليغلق عند 1341.01 نقطة، إذ هبط مؤشر الاستيراد إلى 44.03 نقطة وبنسبة 3.15 في المئة ليغلق عند 1354.90 نقطة، ويضيف المصدر أن ثلاثة قطاعات هبطت مؤشراتها، مؤشر قطاع المصارف التجارية بنسبة 4.2 في المئة، مؤشر قطاع الصناعة بنسبة 0.8 في المئة، مؤشر قطاع الاستثمار بنسبة 4.74 في المئة، فيما ارتفع مؤشر قطاع الخدمات بنسبة 0.1 في المئة، وسط محافظة مؤشر قطاع التأمين والفنادق والسياحة على إقفالاتهما السابقة من دون تغيير.