لا تزال السفينة العالقة في قناة السويس تعيق حركة الملاحة فيها، وتؤثر على الملاحة العالمية. ولا يبدو أن أي طرف في هذه المعضلة مستعد لإعطاء أي مهلة زمنية لتعويم السفينة وإعادة فتح القناة. وبالتالي، يمكن اختصار المشهد في السويس اليوم على أن القناة مغلقة حتى إشعار آخر.لكن في قناة تبحر فيها عشرات السفن يومياً، من دون حوادث مشابهة، فما الذي تسبب بحادث بهذا الحجم؟
أثناء إبحار «إيفر غيفن» داخل القناة، هبت عاصفة رملية، حاملة رياحاً بسرعة 70 كلم، تأرجحت على إثرها مؤخرة السفينة وانعدمت القدرة على توجيهها، فاصطدمت بالتالي بضفة القناة وانجرفت عرضياً، مغلقةً بذلك الممر المائي، وحاجزةً خلفها عشرات سفن الشحن.
وفي هذا السياق، يقول القبطان مورغان مكمانوس، لموقع «بوبولار ميكانكس»، إن الدفع باتجاه بناء سفن شحن أكبر وأكبر، خلال السنوات الماضية، هو مسبب مهم لحوادث كهذه، «أحجام هذه السفن قد تضخمت بشكل سريع، متجاوزةً تطور البنى التحتية، التي يفترض أن تعالج حوادث الملاحة». ويضيف «توجيه سفينة بحجم «إيفر غيفن» عمل صعب، وأي مناورة بالسفينة إلى الهروب من موقف معيّن، يجب أن يتم قبل وقت طويل، لتجنب أي حادث غير مرغوب فيه. وهذا الأمر يتطلب وجود طاقم عالي المهارة على متن السفينة».
أما في عملية إخراجها، فاعتبرت الشركة الموكلة بالإدارة التقنية للسفينة، «برنارد شولته»، أن الأولوية هي لإزالة الوحول من حول مقدمة السفينة المغروزة بالضفة، وستعاون الجرافات على هذا العمل، ماكنات ضخ ضخمة. ثم، في المرحلة التالية، إزالة عدد من الحاويات من على ظهر السفينة، بالإضافة إلى احتمال إخراج المياه المخزنة في قعرها، والتي تلعب دوراً في الحفاظ على توازن السفينة ومساعدتها على الالتفاف، من أجل إنقاص وزنها الإجمالي، وتسهيل عملية تعويمها.

للحادث أيضاً أبعاده الاقتصادية، فقد حوّلت 7 ناقلات غاز مسارها بعيداً عن قناة السويس، إلى الخط البحري القديم، حول رأس الرجاء الصالح، حسبما قالت شركة «كبلر» لتحليل البيانات اليوم. ما يشير إلى أن مشغلي السفن، باتوا أقل تفاؤلاً بقرب انتهاء أزمة السفينة الجانحة في الممر المائي الأكثر ازدحاماً في العالم.
ووفق محللي البيانات وشركات تتبع السفن، فإن ما يزيد على 200 سفينة لا تزال عالقة على مدخلَي قناة السويس، الشمالي والجنوبي، وفي وسطها. ولا يتيح عرض القناة (حوالى 335 متراً)، هامشاً أمام السفن للمناورة والالتفاف بعد دخولها القناة، ما يعني أن معظمها مجبر على الانتظار إلى حين حل الأزمة بتعويم السفينة العالقة، وإعادة فتح الممر أمام الملاحة.
وفي حال طالت الأزمة، وهو ما توقعه بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة «بوسكاليس» المشاركة بعملية تعويم السفينة، حين قال للتلفزيون الهولندي، أمس، فإن عملية تعويم السفينة «قد تستغرق أياماً أو أسابيع».
ويعني طول الأزمة تأثر جداول تسليم البضائع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عدد كبير من شحنات النفط والغاز، الأمر الذي يهدد بموجة ارتفاع في الأسعار.
وفي سياق متصل، يرى خبراء أن روسيا والولايات المتحدة ستكونان أكبر مستفيدين من تعطّل إمدادات الغاز عبر قناة السويس.
وتورّد روسيا الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أنابيب، وتعمل حالياً بأقل من طاقتها الاستيعابية الكاملة.
ويُتوقع أن ترفع روسيا طاقة الضخ عبر هذه الأنابيب، لتعويض النقص الناتج من تأخر وصول الغاز المسال بواسطة السفن من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
كذلك، فإن أزمة قناة السويس، وتعطل إمدادات الغاز والنفط عبرها، تشكل فرصة لتحقيق حلم طالما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه، وهو أن تشكل بديلاً لتوريد هاتين السلعتين الاستراتيجيتين إلى أوروبا بواسطة السفن، عبر الأطلسي.