في صباح يوم الاثنين 22 آذار الجاري، أعلنت «الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية»، تعرّض مصر لـ«عاصفة ترابية قادمة من ليبيا تضرب شرق البلاد، مصحوبة برياح تصل إلى 50 كيلو متراً في الساعة، تؤدي إلى صعوبات فى الرؤية، واضطراب في حركة الملاحة البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، وارتفاع للموج يصل إلى أربعة أمتار، فيما قد يتجاوز ارتفاع الموج لخمسة أمتار في خليج السويس». لم تمر بضع ساعات حتى ضربت العاصفة الأراضي المصرية لكن قوة تلك العاصفة تجاوزت كل التوقعات والحيثيات لتصل ضربتها للاقتصاد العالمي.
في اليوم التالي، كانت قناة السويس المصرية على موعد جديد فى تصدّر المشهد العالمي. جنحت ناقلة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن» خلال عبورها القناة عند «الكيلو 151» في رحلتها القادمة من الصين إلى هولندا. ترفع «إيفر غيفن» علم بنما، لكن تديرها الشركة التايوانية المنشأ «إيفرغرين مارين كورب» التي كانت تنقل نحو 225 ألف طن من البضائع. على إثر هذا الجنوح، أغلقت حركة الملاحة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. وفيما قدِّر حجم التكدس قرابة 30 سفينة متوقفة وسط القناة، تنتظر 40 سفينة أخرى في البحر المتوسط و30 في خليج السويس في البحر الأحمر.

يمكن القول إن مصر الخاسر الأكبر في هذه الأزمة، إذ تعد قناة السويس مصدرَ دخل حيويّ لمصر، بلغ حجم إيراداتها 5.61 مليار دولار عام 2019، بتمثيل أكثر من 5% من الدخل القومي المصري، تشير بعض التقارير أنها باتت تخسر كل ساعة نحو 400 مليون دولار جراء الحادث.

وفي ما يتعلق بالخسائر العالمية، كل يوم تعطّل، يكلف أكثر من 9.6 مليار دولار من البضائع. وقد ظهرت ملامح الكارثة بعد عدة ساعات من توقف الملاحة، إذ ارتفعت أسعار المواد النفطية صباح يوم الأربعاء، وبدأت عشرات السفن والناقلات تسلك مسار رأس الرجاء الصالح الذي يزيد 12 يوماً على رحلة السفن، ما يسبّب تحمل المستهلكين حول العالم أعباء التكاليف الزائدة للشحن. وفيما يؤثر تكدس البضائع في القناة على الإمداد الطبي والغذائي حول العالم، لا سيما في ظل أزمة كورونا، تفكّر بعض الشركات في استخدام النقل الجوي بديلاً.

تُعَد حادثة جنوح «إيفر غيفن» فصلاً من فصول عديدة لأزمات قناة السويس جراء الإغلاق. فالقناة ترجع فكرة بنائها إلى زمن نابليون بونابرت الذي أراد ربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر، وربط فرنسا بمستعمراتها في أفريقيا، ومع بدء العمل بها في نيسان عام 1859 على يد الفرنسي، فرديناند دولسيبس، باتت بمثابة شريان الاقتصاد العالمي حيث تمر من خلالها أكثر من 12% من التجارة العالمية.

الإغلاق الأول

حدث أول إغلاق لقناة السويس أثناء الثورة المصرية بقيادة القائد العسكري أحمد عرابي في عام 1882 بعد 13 عاماً على افتتاحها. كانت تكلفة إنشاء قناة السويس وحفل افتتاحها سبباً رئيسياً فى تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، بالإضافة إلى السماح بالتدخل الخارجي من الدول الغربية المساهمة فى القناة فى سياسات الدولة المصرية، مما أشعل حراكاً شعبياً قاده عرابي ضد حفيد محمد علي الخديوي توفيق وحلفائه. تمثلت خطة عرابي بإغلاق قناة السويس لمنع وصول الإمدادات البريطانية فاتفق مع دليسبس، على منع نزول السفن البريطانية إلى مصر، لكن الأخير فتح القناة مما أدى إلى فشل خطة عرابي وهزيمة الثورة وأسره.

الإغلاق الثاني

عام 1915، خلال الحرب العالمية الأولى، أغلقت القناة على يد البريطانيين، للمرة الثانية، عقب محاولة العثمانيين الهجوم على قناة السويس بهدف قطع طريق إمدادات الحلفاء التي تمر من هناك. شرع العثمانيون حينها بغزو سيناء التابعة للمملكة المصرية، التي كانت محمية بريطانية، فانهزمت القوات المجتمعة من الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية في معركة رمانة (3-5 آب 1916) على يد كتيبة المشاة البريطانية رقم 52 وكتيبة فرسان الجيش الأسترالي والنيوزيلندي. ولم تغلق القناة سوى ليوم واحد فقط.

الإغلاق الثالث

خلال الحرب العالمية الثانية، أغلقت القناة للمرة الثالثة، ولمدة 76 يوماً. أغلق الإنكليز، حينها، القناة على إثر الحرب بين القوات البريطانية والمصرية ضد القوات الإيطالية الألمانية في ليبيا، إلى أن فتحت مجدداً بعد انتصار البريطانيين في معركة العلمين.

الإغلاق الرابع

فى المرة الرابعة، أغلقت قناة السويس لنحو خمسة أشهر. أتى ذلك عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بعد قرار مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس من أجل تشييد السد العالي وبحيرة ناصر فى جنوب مصر، ما ترتب عليه العدوان الثلاثي، ليُعاد فتحها عام 1957. ونظراً للخسائر العالمية التي تسبب إغلاق القناة بها، أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وحرية الملاحة في مؤتمر جنيف عام 1958، إذ صنّفت قناة السويس كممر مائي دولي.

الإغلاق الخامس

أما الإغلاق الخامس فكان الأشهر والأكثر تأثيراً. حصل في شهر حزيران عام 1967 أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر، بعد أن أعلن جمال عبد الناصر، يوم 22 أيار، إغلاق مصر لمضيق تيران قبالة خليج العقبة أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن التي تحمل معدات حربية لإسرائيل، بسبب الأفعال العدوانية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية. وبعد هزيمة مصر واحتلال القوات الإسرائيلية لشبه جزيرة سيناء أعلنت مصر حرب الاستنزاف وأغلقت قناة السويس، حتى العام 1975، أي بعد مرور ثماني سنوات على الإغلاق.

يُذكر أن قناة السويس شهدت بعض الحوادث غير المؤثرة بشكل كبير فى حركة الملاحة، مثل جنوح سفينة يونانية بعد تعطّل محركاتها عام 2012، ما أدى إلى تعطل الملاحة لبعض من الوقت، حتى تمكنت وحدات الإنقاذ من سحبها. وفي العام 2014، وقع حادث تصادم بين سفينة حاويات ألمانية، وأخرى سنغافورية، وتسبب ذلك في تعطل حركة الملاحة مؤقتاً.