بينما يمضي الحزب الحاكم قدماً في خطط لتعديل الدستور بما يسمح للرئيس عمر البشير، بالبقاء في السلطة إلى ما بعد فترته الحالية، التي تنتهي عام 2020، يسعى الأخير الى احتواء أكبر تهديد يواجه حكمه منذ ثلاثة عقود، بأساليب وتبريرات عدة، بدءاً من استخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين، واعتقال المعارضين والنشطاء والصحافيين، وتخوين المحتجين بأنهم يأتمرون بأوامر «سفارات وجهات خارجية»، وإطلاق الوعود بتحسين أداء الحكومة، وتحميل واشنطن مسؤولية الأزمة الاقتصادية. لكن محاولاته هذه، لم تتمكن حتى اليوم، بعد ثلاثة أسابيع على التظاهرات المندلعة إثر قرار حكومته رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، من تهدئة الاحتجاجات شبه اليومية، المطالبة بتنحيه، وسط الأزمة الخانقة التي يعاني فيها الشعب من نقص الخبز والوقود والسيولة.أسبوع جديد من الاحتجاجات بانتظار البشير، بدءاً من يوم الأحد المقبل، بدعوة من «تجمع المهنيين السودانيين» الذي يضم قطاعات عدة؛ بينها أطباء وأساتذة جامعيون ومهندسون، ويكسب تأييد أحزاب المعارضة، للخروج في مسيرات في أنحاء البلاد الأسبوع المقبل، في ما أطلق عليه أسبوع «الانتفاضة الشاملة». وتدشيناً له، خرج المحتجون أمس، في «جمعة غضب» جديدة، تحت شعارات «حرية، سلام، عدالة»، في العاصمة الخرطوم، ومدينة أم درمان، الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل، ومدينة بارا، في ولاية شمال كردفان (جنوب)، عقب صلاة الجمعة. ففي العاصمة، شملت التظاهرات حي جبرة، حيث خرج المحتجون من مسجد «خاتم المرسلين»، الذي يؤمه الداعية عبد الحي يوسف، المحسوب على جماعة «أنصار السنة»، ومدينة الجيلي، شمالي العاصمة. أما في أم درمان، فقد شملت الاحتجاجات أحياء بيت المال، وودنوباوي، معقل أنصار حزب «الأمة» المعارض. وكعادتها، تصدت الشرطة والأجهزة الأمنية للمحتجين بالغاز المسيل للدموع، قبل وصولهم إلى شارع رئيسي يربط الخرطوم بمدن شمال السودان، في حين لا تزال تداعيات الهجوم الذي نفذته، أول من أمس، على مستشفى أم درمان الحكومي خلال تظاهرة جرت حوله (سقط فيها 3 قتلى و12 مصاباً بطلقات في الرأس والصدر والبطن والأرجل)، تلقى صدىً محلياً ولدى منظمات حقوق الإنسان. ووصف وزير الصحة في ولاية الخرطوم، مأمون حميدة، الهجوم بأنه «غير مقبول»، فيما أعلن والي ولاية الخرطوم، الفريق أول في الشرطة، هاشم عثمان الحسين، تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حوله.
لكن رد البشير لا يقتصر على استخدام العنف وإطلاق الرصاص الحي بوجه المتظاهرين، بل يذهب، تارة، إلى اعتقال المعارضين، الذين وصلت أعداد الموقوفين منهم إلى أكثر من ألف شخص منذ اندلاع الاحتجاجات، حسب ما تشير مجموعات مؤيدة لحقوق الإنسان، بينهم قادة في المعارضة وناشطون وصحافيون إلى جانب المتظاهرين. وتارة أخرى، يشهر سلاح تخوين المحتجين، باتهامهم بأنهم يأتمرون بأوامر خارجية. وبين هذا وذاك، يسعى حزب البشير، في اليومين الماضيين، إلى تحميل «الشيوعيين والبعثيين» و«أحزاب اليسار» مسؤولية «الأعمال التخريبية»، وهو ما أشار إليه كل من مساعده، فيصل حسن إبراهيم، أول من أمس، وأمين «أمانة الفكر والثقافة» في حزبه، الفاتح عز الدين، ورئيس لجنة مناصرته، خلال لقاء نظمه الحزب، مهدداً بـ«قطع رؤوس... الشيوعيين والبعثيين والمارقين». وبينما أكد إبراهيم، أول من أمس، حق التظاهر السلمي، أوضح الفاتح عز الدين، أمس، أن «رايتنا لن تسقط ولو خرج أهل الأرض جميعاً».
يحمّل حزب الرئيس «الشيوعيين والبعثيين» مسؤولية «الأعمال التخريبية»


ويحاول البشير تهدئة احتجاجات الخبز بوعود بتحسين أداء الحكومة وحل الأزمة التي يقر بوجودها هو ومسؤولون سودانيون آخرون، لكنه يلقي باللوم فيها على واشنطن، التي فرضت حظراً تجارياً على البلاد منذ عام 1997 حتى تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017. وهي قيود في مجال التجارة الدولية والتعاملات المالية. لكن معارضي البشير يشيرون إلى أن سوء إدارة حكومته للقطاعات الأهم، وإنفاقها أموالاً ضخمة لمحاربة تمرد أقليات عرقية في منطقة دارفور (غرب)، وفي المناطق القريبة من الحدود مع جنوب السودان، تتسبب بمشكلات اقتصادية منذ سنوات.
وعن مدى إمكانية تحقيق التظاهرات أهدافها، أشارت الخبيرة في شؤون السودان، المؤرخة البريطانية ويلو بيريدج، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، إلى أن الانتفاضة الحالية تشبه إلى حد كبير الانتفاضتين الشعبيتين اللتين أطاحتا النظامين الأولين في تاريخ السودان (المستقل) في 1964 و1985، لافتة إلى أن الثورة الأخيرة بدأت من عطبرة (شرق)، كما هو شأن الاحتجاجات الحالية. وبشأن احتمال انقلاب الجيش والشرطة على البشير، كما حصل في الأزمتين السابقتين، رأت أنه «لا يمكن الجزم بأنهما لن ينقلبا يوماً ضد البشير»، لكنها أشارت إلى أن الأخير يحظى في المقابل «بدعم الكثير من الميليشيات الموازية... القوية والمرتبطة به شخصياً وبحزب المؤتمر» الذي يتزعمه، فضلاً عن أنه «كان منخرطاً بقوة في انتفاضة 1985، ويعرف تماماً كيف تمت الأمور. وهو لذلك عزز رقابته على أجهزة الأمن».