نجحت الاتصالات الروسية ــــ التركية المتواصلة في شأن مدينة منبج، بالتوازي مع غياب أي تفاصيل عن الانسحاب الأميركي المفترض من سوريا، في تهدئة التصريحات حول ملف المدينة وشرق الفرات، على حساب اشتعال جبهات القتال الداخلي بين الفصائل المسلّحة في مناطق تتبع ريفي إدلب وحلب. وفي مقابل «التوضيحات» التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعليقاً على تقارير إعلامية تحدثت عن مواعيد مفترضة لانسحاب القوات الأميركية، لم يخرج عن موسكو وأنقرة ما يشير إلى طبيعة المشاورات الجارية حول مصير منبج، ومن خلفها مناطق شرق الفرات. وبعد حراك الجيش السوري الأخير إلى محيط المدينة وما نُقل عن تماس بعض نقاطه مع مسار الدوريات الأميركية هناك من دون تأكيد من مصادر رسمية، لم يعلّق الجانب التركي على إعلان وزارة الدفاع السورية خروج مئات من عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات، كما لم يخرج أي تصريحات من جانب «الوحدات» أو «مجلس سوريا الديموقراطية» تدلل على حدوث تقدم في سياق التفاوض مع دمشق برعاية روسية. وفي مقابل غياب التصريحات الرسمية التركية حول مسار العمل مع الجانب الروسي، نقلت صحيفة «صباح» التركية عن مصادر ديبلوماسية، ما مفاده أن اللقاء الروسي ــــ التركي رفيع المستوى الذي عقد في موسكو السبت الماضي، خرج بتوافقات، أبرزها عدم اعتراض موسكو على عملية عسكرية تركية في شرق الفرات. ولا يتعارض هذه التسريب مع تصريحات روسية خرجت الأسبوع الماضي عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومسؤولين ديبلوماسيين آخرين، تصب في سياق «تعاون وتنسيق» روسي ـــ تركي لمكافحة «التنظيمات الإرهابية».
دعا «المجلس الإسلامي السوري» فصائل «الجيش الحر» إلى قتال «تحرير الشام»

ويبقى الحديث عن عَقدِ أنقرة أي اتفاق لإدارة تحركها المفترض شرق الفرات، رهن مصير محادثاتها مع الجانب الأميركي، الذي لا يزال يتواجد في منبج وشرق الفرات، من دون جدول زمني واضح لانسحابه. وكان الرئيس الأميركي قد نفى أن يكون حدّد مهلة أربعة أشهر لذلك، مؤكداً أن بلاده ستعمل على ضمان «حماية المقاتلين الأكراد» خلال تلك العملية، على رغم انزعاجها من كونهم (أي الأكراد) يبيعون «كمية ضئيلة من النفط» إلى إيران. الضبابية التي تلفّ مسار انسحاب القوات الأميركية ستكون واحدة من التحديات التي ستشغل وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، الذي التقى أمس وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون، وبحث معهما ملفات عدة بينها الملف السوري. ويأتي لقاء شاناهان الأول، في وقت تواصل القوات الأميركية ضمن «التحالف الدولي» تنفيذ غارات مكثفة على بلدات ضفة الفرات الشرقية في دير الزور، حيث المعقل الأخير لتنظيم «داعش»؛ وتسببت تلك الغارات أمس بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في بلدة الشعفة.
وفي انتظار ما قد يعلن من توافقات حول مصير منبج بداية، تعود إدلب ومحيطها إلى الواجهة مجدداً، من بوابة الحرب الفصائلية الداخلية. إذ توسعت أمس اشتباكات «هيئة تحرير الشام» و«الجبهة الوطنية للتحرير» لتشمل مناطق في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بعدما كانت قد انطلقت في ريف حلب الغربي. بلدات عدة دخلت نطاق الصراع، لا تبعد سوى مئات الأمتار عن «نقاط المراقبة» التركية، خصوصاً في محيط جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي الغربي، من دون أن يخرج أي تصريح تركي رسمي بهذا الخصوص، ومن دون أن تصطفّ القوات التركية مع أي من الأطراف، أقلّه في شكل معلن. وبعدما دعت «الجبهة الوطنية للتحرير» إلى «النفير العام» محاولة تحييد «المهاجرين» من صف «تحرير الشام»، دعا «المجلس الإسلامي السوري» (المحسوب على أنقرة) كافة فصائل «الجيش الحر» إلى قتال «تحرير الشام»، طالباً من عناصرها الابتعاد عنها واستنكار «عدوانها». ونشرت حسابات مقربة من «تحرير الشام» على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلاً يظهر قتلى وأسرى يتبعون «الجبهة الوطنية»، بعدما وقعوا في كمين لـ«تحرير الشام» على الأوتستراد الدولي في ريف إدلب؛ وكذلك نشرت حسابات توالي «الجبهة الوطنية» صوراً لمن قالت إنهم «أسرى من هيئة تحرير الشام».
وعلى صعيد آخر، وفي ضوء عودة دول عدة لمحاولة فتح قنوات تواصل مع دمشق، قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، أمس، إن الرئيس السوري بشار الأسد سوف يبقى «لبعض الوقت» بدعم من روسيا، مضيفاً أن بلاده على رغم ذلك ما زالت تعتبره «عقبة أمام السلام الدائم».