منذ إعلان البيت الأبيض عن خطط «الانسحاب السريع» للقوات الأميركية من سوريا، كان الغموض سيد الموقف لدى معظم الأطراف الدولية والمحلية المعنيّة بمصير شرق الفرات؛ وحتى تركيا، التي تبيّن لاحقاً أن رئيسها رجب طيب إردوغان، كان أول من سمع «بُشرى» الانسحاب في اتصال مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، بدت مشكّكة بداية في الخطوة الأميركية، تحت وطأة «مماطلة» أميركية سابقة. وخلال الأيام القليلة الماضية، وبينما ظهرت «قوات سوريا الديموقراطية» في موقف الباحث عن مُجير يقي مخاطر غياب المظلّة الأميركية، تعززت لهجة أنقرة الإيجابية حيال الخطط الأميركية، ليتكلّل ذلك أمس في مكالمة هاتفية جديدة جمعت إردوغان وترامب. مكالمة أمس، وفق ما أعلن عبر صفحات الرئيسين على «تويتر» قبل بياني الرئاستين، تشير إلى أن الخط العام الذي ستنتهجه الولايات المتحدة في عملية سحب قواتها من شمال شرق سوريا، سيستند بشكل رئيسي على التنسيق مع الجانب التركي، الذي يفترض أن «يملأ الفراغ». وبكلمات ترامب نفسه، فقد تطرقت المحادثة الهاتفية «المثمرة» إلى نقاش «انسحاب بطيء ومنسّق بدقة» للقوات الأميركية. هذا الانسحاب «المنسّق» سيتم وفق بيان الرئاسة التركية أمس، عبر «التنسيق بين العسكريين والدبلوماسيين ومسؤولين آخرين... لتجنب فراغ قد ينجم عن استغلال للانسحاب (الأميركي)»، من دون أن يحدد البيان الجهة التي قد تستغل هذا الانسحاب. ورغم أن تفاصيل هذا «الانسحاب المنسّق» تتضمن إشكاليات عدة، بينها مصير «وحدات حماية الشعب» الكردية الموجودة في تلك المناطق وهوية القوات التي ستدخلها مكان الأميركيين، فإن تصريحات أنقرة الرسمية تشير إلى ارتياح كبير تجاه المسار المستجد مع واشنطن. ولم تخف الأوساط المقربة من السلطات التركية سعادتها باستقالة بريت ماكغورك من منصب المبعوث الرئاسي الأميركي إلى «التحالف الدولي»، الذي تعتبره أنقرة واحداً من أهم الشخصيات التي دعمت «الوحدات» الكردية وأسست لبرنامج تسليحها وتمددها على طول الحدود السورية ــــ التركية. وأتت استقالة ماكغورك قبل مدة قصيرة على انتهاء ولايته في المنصب؛ واعتبرها الرئيس الأميركي أنها محاولة استعراض لا طائل منها، فيما رأى المبعوث السابق في رسالة استقالته التي نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» مقتطفات منها، أن قرار ترامب الانسحاب كان «صدمة... وانقلاباً كاملاً على السياسة التي قدمت لنا»، مضيفاً إن القرار «ترك التحالف في حالة قلق، وشركاءنا في المعارك في حالة إحباط». انسحاب ماكغورك الذي تلا استقالة جايمس ماتيس من وزارة الدفاع، أريد له أن يكون «احتجاجياً» في وجه سياسة ترامب، غير أن الأخير لا يحاول «تجميل» قراراته عبر القنوات الدبلوماسية، وعلى العكس أعلن أن نائب وزير الدفاع المستقيل باتريك شاناهان، سوف يتولى مهمات الوزارة بالوكالة مطلع العام المقبل، وهو ما سيخرج ماتيس من منصبه قبل شهرين على الموعد المفترض لمغادرته.وتأتي هذه التطورات اللافتة بالتزامن مع تعزيز الجيش التركي قواته في عدد من الولايات قرب الحدود السورية، ووصول تعزيزات إضافية لقوات الجيش السوري إلى مناطق دير الزور. وبينما عبّرت أنقرة عن ارتياحها لمجريات الأمور وفق التوجه الأميركي الجديد، لم يخرج من حليفتيها موسكو وطهران أي تعليق حول «الانسحاب المنسّق» الذي تحدث عنه ترامب وإردوغان. وتحدثت أوساط إعلامية مقربة من القوى الكردية في الشرق السوري، عن محادثات يجريها مسؤولون روس مع ممثلين عن «قوات سوريا الديموقراطية» في موسكو، من دون أن يخرج أي تأكيد رسمي من الطرفين.
بدورها، لم تعلّق دمشق على مستجدات التنسيق التركي الأميركي المرتقب، إلا أن اللافت أمس، كان عودة التوتر إلى بعض خطوط التماس في محيط المنطقة «المنزوعة السلاح» في محيط إدلب، بعد فترة من الهدوء النسبي. وبينما تحدثت أوساط معارضة عن جهود تقوم بها الاستخبارات التركية لتحضير المناطق المحيطة بالطريقين الدوليين، حماة ــــ حلب واللاذقية ــــ حلب، لمرحلة مفترضة تتضمن عودة حركة النقل عبرهما، حيّدت تطورات شرق الفرات الضوء عن تنفيذ «اتفاق سوتشي» في إدلب. ولم يعد الحديث عن التزام أنقرة بتنفيذ الاتفاق وسحب «التنظيمات الإرهابية» نقطة ساخنة تتطرق إليها التصريحات المعنية بالملف السوري، كما حال مبادرة «اللجنة الدستورية».