القاهرة | تعمّق الصراع بين «الإخوان المسلمين» و«داعش» الإرهابي، واصلاً إلى قعر أدنى. فالتنظيم قرر تقديم خدمة إلى وزارة الداخلية المصرية على حساب الجماعة المحظورة، ناسفاً مبدأ الأخيرة المُروِّج لروايات «الاختفاء القسري للشباب وتصفيتهم من قبل أجهزة الأمن»، وذلك عبر نشره شريط فيديو، قبل ثلاثة أيام، يُظهر إعلان الشاب عمرو الديب، نجل القيادي «الإخواني» إبراهيم الديب، البيعة لأبي بكر البغدادي.
وهذا ما أزاح الشكوك عن الملابسات الفعلية لمقتله في حملة أمنية في منطقة أرض اللواء في الجيزة، خلال «مواجهة بين الشرطة المصرية وخلية إرهابية» كانت تُخطط لارتكاب عملية أمنية كبيرة في القاهرة، بعد عمليات أخرى نفذتها في سيناء.
عمرو الديب طالب، كان يدرس الإعلام في ماليزيا منذ سنوات، وقد أعلنت أسرته «اختفاءه قسرياً» خلال إجازة قام خلالها بزيارة مصر، برفقة وفد من الجامعة التي يدرس فيها، متهمةً وزارة الداخلية بالقبض عليه على خلفية الانتماء السياسي لوالده، نافيةً بذلك «الرواية الرسمية». وحتى الساعات الأخيرة، ظلّت الرواية المعلنة من قبل والد الديب تؤكد القبض عليه و«تصفيته لاحقاً في العملية الأمنية» المُشار إليها، والتي نُفِّذت في وسط مربع سكني، فيما كانت وزارة الداخلية قد وجهت إليه حينها اتهامات عدة تصل عقوبتها للإعدام شنقاً.
وبرغم رصد عشرات الحالات من الاختفاء القصري لشباب، معظمهم من المنتمين إلى «الإخوان»، وظهورهم مقتولين لاحقاً في عمليات أمنية، يُعَدّ عمرو الديب الحالة الأولى التي يبادر فيها «داعش» إلى إعلان هوية أحد أعضائه بعد إعلان وفاته بأشهر، وذلك بغية تأكيد «البطولات التي قدمها». وبنشر هذا الشريط، يكون «داعش» قد اختار نسف رواية «الاختفاء القسري للشباب وتصفيتهم»، التي يروِّجُ لها «الإخوان».
وبصرف النظر عن خلفيات تلك الخطوة، التي تأتي في ظل اتهامات متبادلة بـ«الكفر» بين تيارات في الجماعة والتنظيم، فالمؤكد أنّ المستفيد الوحيد من «الشريط الداعشي» هو وزارة الداخلية المصرية، التي استغلّت الأمر لتجميل صورتها إعلامياً، وتأكيد التزامها تطبيق القانون، في ظل وجود «أكاذيب» من أعضاء التنظيمات الإرهابية.
ويكتسب الأمر، بالنسبة إلى وزارة الداخلية، أهمية أكبر، في الوقت الذي يتحدث فيه بعض الناشطين «الإخوانيين» الموجودين في الخارج عن حالات اختفاء قسري جديدة آخرها لشخصين أحدهما متدرب صحافي في جريدة خاصة. وسجلت منظمات حقوق الإنسان المعنية أكثر من 200 حالة اختفاء قسري خلال العام الماضي. بعض هؤلاء «المختفين» قسرياً ظهر بعد فترة أمام النيابة العامة، ووُجِّهت إليه اتهامات، وحُبس احتياطياً، فيما البعض الآخر لا يزال «قيد البحث» من قبل ذويه.
في المقابل، تنفي وزارة الداخلية المصرية وجود حالات اختفاء قسري، مشيرة إلى أنّها تنفذ «أحكام القانون بملاحقة العناصر الإرهابيين والتصدي لهم، وعدم استخدام القوة إلا في حال إطلاق النار على قوات الأمن خلال عمليات المداهمات، التي يُطلب فيها من المتهمين تسليم أنفسهم أولاً».
ولا يبدو الإعلان لاسم عمرو في هذا التوقيت مجرد مصادفة أو خطوة لإحراج «الإخوان» فحسب، ولكنه تعبير واضح عن سعي التنظيم الإرهابي إلى تجنيد مزيد من الشباب الرافضين لسياسة المسالمة التي تتبناها قيادات «إخوانية» علناً وسراً في الوقت الحالي.
على هذا الأساس، يُقدِّم «داعش» نفسه للشباب الباحث عن «الجهاد» بعيداً عن الجماعة، التي ترفض قياداتها في الخارج تنفيذ عمليات مسلحة، لمحاولة فرض السيطرة على مناطق محددة في مصر، وخاصة في سيناء لإقامة «الدولة الإسلامية».
ويبدو أن «داعش» يحاول، من خلال شريط دعائي كهذا، استقطاب الشباب المتردد والباحث عن المنهج العنيف في التغيير، سعياً لاختراق محتمل من داخل المناطق السكنية لقوات الأمن، وفتح جبهات جديدة خارج شبه جزيرة سيناء، التي تضاءل هامش حركة الجماعات الإرهابية فيها خلال الفترة الماضية.
ويظهر «داعش» في الوقت الحالي أضعف من أي وقت مضى، فـ«العملية الشاملة ــ سيناء 2018»، التي ينفذها الجيش المصري منذ يوم الجمعة الماضي، كبدّت التنظيم الإرهابي خسائر فادحة، أفقدته أكثر من نصف قوته، بسبب الغارات الجوية الكثيفة على الجبال والبؤر الصحراوية التي يختبئ فيها عناصره، بجانب إحكام السيطرة على الحدود وحركة التنقل من سيناء وإليها، وكذلك المنافذ والبؤر المتخذة عند الحدود الغربية، ما جعل «الدواعش» محاصرين كاملاً.
والجدير بالذكر أن «داعش» نجح بالفعل في تجنيد عدد من شباب «الإخوان»، في فترات سابقة، وذلك على خلفية الأزمة الداخلية التي تواجهها الجماعة المحظورة، بعد انقسام قياداتها بين هاربين في الخارج، وآخرين في السجون، فيما بقي جزء كبير من القاعدة الشبابية التي يحمل بعض أعضائها الفكر المتطرف أكثر بحثاً عن تنظيم جديد يجمعها، وهو ما وجدوه في «داعش» صاحب الخطاب الذي لم يتغير، على العكس من الخطاب «الإخواني» الذي باتت تغيراته مرتبطة بالوضع السياسي أكثر من أي وقت مضى.