تونس | تقدّم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي فاضل عبد الكافي، الذي يرأس وزارة المال بالإنابة أيضاً منذ شهر نيسان/أفريل الماضي، باستقالته من الحقيبتين الوزاريتين يوم أمس، وذلك عقب صدور حكم غيابي ضده يقضي بسجنه وبتغريم شركته بأكثر من 1.8 مليون دينار تونسي.
ولم يكن قرار عبد الكافي، الذي كشف عنه في تصريح إلى إذاعة «موزاييك» الخاصة، مفاجئاً، إذ راجت أخبار بشأن نيته الاستقالة بعدما تعالت الأصوات التي تطالبه بالأمر، عقب تداول الحكم الصادر ضده وتحوّله إلى قضية رأي عام.
وجاءت الموافقة على الاستقالة سريعةً من قبل رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» يوسف الشاهد، الذي يتزعم حرباً صعبةً «ضد الفساد». وأشار الشاهد إلى «تقديره الشديد لخيار الوزير الطعن في الحكم الصادر ضده خارج العمل الوزاري».
ومن المتوقع أن يكمل الوزير المستقيل مهماته على رأس الوزارتين اللتين تقلّد مسؤوليتهما (التنمية والمال) منذ أشهر، إلى حين تسمية خلف له. وهو كان قد عُيّن وزيراً للمال بالإنابة بعد إقالة لمياء الزريبي بسبب تصريحات لها قيل إنها «تمسّ بقيمة الدينار التونسي».
وبينما تأتي استقالة عبد الكافي في سياق زمني حرج تسعى خلاله تونس لوضع اللمسات النهائية على موازنتها لعام 2018، فإنها تأتي أيضاً بعد يوم واحد من نشر المصرف المركزي بيانات تشير إلى أنّ التفاقم في العجز التجاري أدى إلى مزيد من تآكل احتياطي البلاد من العملة الصعبة، والذي أصبح يغطي ما لا يزيد على واردات 90 يوماً، وهو أضعف مستوى في نحو ثلاثة عقود.
وكان عبد الكافي قد عُرف بعلاقته المتوترة بنواب «مجلس نواب الشعب»، وبتصريحاته اللاذعة تجاههم، ولم تخلُ جلسة استماع إليه تحت قبة البرلمان من تصريحات نارية يوجّهها ضدهم. كذلك فإنه عُرف «بواقعيته» في كل ما يتعلق بالوضع الاقتصادي الصعب الذي ترزح البلاد تحت ثقله منذ مدة غير قصيرة.

تُعدُّ استقالة
فاضل عبد الكافي سابقة في التاريخ السياسي لتونس

وهو رغم استقالته، قال في تصريحه الإذاعي أمس إنّ «وزير المال الذي سوف يخلفني على رأس الوزارة، يجب أن يتحلى بالصبر والشجاعة، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به بلادنا ودقة وضعية المالية العمومية».
الوزير «دائم التجهم»، أربعيني، وهو متخرّج في كلية الاقتصاد في جامعة باريس الأولى، وكان قد شغل إدارة «الشركة التونسية للأوراق المالية»، كما تولى أيضاً رئاسة «بورصة تونس»، ولم يتوقع أحد من متابعي أعماله أن ترتبط به قضية بحجم القضية التي ظهرت إلى العلن أخيراً.
وتبيّن أنّ فصول القضية تعود إلى عام 2014، وقد طالبت الديوانة التونسية باعتبارها الطرف الأساسي في القضية، بسجن عبد الكافي وتغريمه وشركته، وهو ما قضت به المحكمة غيابياً بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2014. ورغم ذلك، فقد أصبح عبد الكافي وزيراً في حكومة يوسف الشاهد.
ويُتّهم عبد الكافي بأن شركته المختصة في الإيجار والأوراق المالية قد افتتحت فرعاً لها في المغرب، وبهدف تصدير مبالغ مالية بالعملة الصعبة قامت ببيع موقع «واب» و«برمجتين» لفرعها بقيمة 1.5 مليون درهم مغربي، أي ما يقارب 120 ألف دولار. ولم يتم إرجاع هذا المبلغ إلى تونس مثلما تقتضيه قوانين الصرف، فيما اعترف القائم بالعملية بذلك، وقال إنهم قاموا بالأمر لعدم توافر السيولة المالية للفرع لتسديد ديونه. ويبدو أن الدولة التونسية تفطنت لعملية تصدير تلك العملة من دون إرجاعها، وهو ما يُعدُّ عملية تهريب، الأمر الذي أكده المصرف المركزي أيضاً.
وبعدما أجرت الديوانة التونسية الأبحاث اللازمة، تبيّن أن ما قام به الوزير مخالفٌ لقوانين الصرف وتراتيبه، فضلاً عن الامتناع في الأصل عن القيام بالتصريح واستبداله بتصاريح غير مطابقة للواقع، في مخالفة تعاقب عليها قوانين الصرف بالسجن من شهر إلى خمس سنوات، إضافة إلى غرامات مالية.
وتقول مصادر إعلامية إنّ الوزير «اعترض على الحكم بتاريخ 10 آب/أوت 2017، فيما سيمثل أمام القضاء بصفته مواطناً لا وزيراً بعد قراره بالاستقالة».
رئيس الحكومة التونسية رأى أنه رغم كل ما حدث، فإنّ «فاضل عبد الكافي سوف يبقى كفاءة عالية في خدمة تونس»، واصفاً إياه بأنه «مثال للاجتهاد والكفاءة». وشدد يوسف الشاهد على أن خيار عبد الكافي بالاستقالة لمتابعة قضيته بعيداً عن الوزارة، يتناغم «ورؤية الحكومة للتقاليد الديموقراطية في الجمهورية الثانية».
وتعدُّ الخطوة التي أقدم عليها الوزير سابقةً في التاريخ السياسي التونسي، إذ لم يسبق لوزير تونسي أن قدم استقالته بسبب شبهة فساد أو مخالفة للقانون. وكان وزراء سابقون قد ارتبطت بهم تهم مشابهة، ووجهت إليهم تهم من قبل نواب أو منظمات مدنية، لكنهم اكتفوا بتفنيدها وواصلوا أعمالهم إلى حين إقالتهم لاحقاً.
وثمة من يرى أنّ إقدام الوزير على الاستقالة، وتعليق يوسف الشاهد عليها (وهما اللذان تجمعهما علاقة خاصة)، سوف يمثّلان نقطة إضافية في جعبة رئيس الحكومة الذي يراهن بكل رصيده على «محاربة الفساد» وفتح ملفاته الشائكة.
ومن المنتظر أن يتم الإعلان قريباً عن وزيرين جديدين يسدّان الشغور الحاصل في وزارتي التنمية والمال، وسط تصاعد احتمالات حصول تعديل وزاري يشمل وزارات أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الأبواب أمام مشهد سياسي جديد في تونس، يبدو أنّ بعض الأطراف الوازنة تبحث عنه.