«سوريا خالية من النزاع»، فكرة لا يمكن تخيّلها بعد. غير أن ورشتَي عمل سياسيتين استقطبتا ما يقارب من 50 امرأة من الداخل السوري، إلى عاليه اللبنانية على مدى 6 أيام، بهدف «تحقيق مستوى من الفهم المشترك حول تحديات وفرص وبناء نظام سياسي ديموقراطي مستقر في مرحلة ما بعد النزاع، إضافة إلى الاهتمام بتمكين النساء للحصول على مهارات سياسية»، على عادة المنظمات غير الحكومية.
الورشتان المقامتان تحت رعاية «جمعية المساعدات الشعبية النرويجية» (NPA)، حاولتا «رسم الملامح المفترضة لسوريا المستقبل بعد انتهاء الحرب»، بهدف استحضار أفكار وتصورات من النساء الحاضرات عن المقدرات والإمكانات المتوافرة لديهن، بما يغني الحياة السياسية المقبلة ويرمّم ما دمرته الحرب، ولتنتهي الورشتان المذكورتان بلقاء عدد من المشاركات مع مستشارة المبعوث الأممي الخاصة بـ«الجندر» كريستينا شاهين. ستيفانو، هو الاسم الذي عرّف به عن نفسه أحد المشرفين العاملين في الجمعية. الرجل الإيطالي الجنسية والمتزوج بتركية، بدا مولعاً بحضور معظم الجلسات، مهتماً باستطلاع آراء المشاركات وتصوراتهن عن شكل الحياة السياسية في سوريا المقبلة، مستعيناً بترجمة أحد الحاضرين دائماً. وعلى الرغم من «الشبهات» التي يصدرها سوريو الداخل تجاه أي منظمة دولية تعنى بالسوريين (حتى اللاجئين منهم) بما فيها منظمة الأمم المتحدة نفسها، فإن نساء عدة أبدين رغبتهن في الابتعاد عن نظرية المؤامرة والتهويل الدائم باتهامات جاهزة للمؤسسات الغربية المهتمة باستطلاعات رأي العرب والمشغولة بأمزجتهم السياسية ومراحل تغيراتها. انطباعات المشاركات بدت إيجابية خلال استعراض نماذج عن دول خاضت نزاعات مسلحة طويلة الأمد، كالمكسيك والبرازيل وتشيلي وغيرها، إضافة إلى عرض أفلام وثائقية يومية عن حالات حصلت في ظل حروب متفرقة من العالم. وإذ يهدف استعراض نماذج هذه البلدان إلى الاستفادة من تجاربها، خلال مرحلة إنماء منتظرة على الأراضي السورية، فإن المعارِضة منى غانم، عضو المجلس الاستشاري النسائي للمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، والمسؤولة عن هاتين الورشتين، نفت الشبهات عن «جمعية المساعدات الشعبية النرويجية» التي «تكاد تكون الوحيدة التي تدعم مشاريع استقطاب جميع الأطياف السورية»، بالتزامن مع رفض منظمات أُخرى العمل إلا مع معارضين محسوبين على تيارات معينة. وتفتح غانم النار على «مبادرة النساء للسلام والديموقراطية» (التي رعتها الأمم المتحدة)، واصمة إياها بالفشل «لأنها اقتصرت على أعضاء من لون سياسي واحد ولا تمثيل لهن على الأرض» بحكم إقامتهن خارج سوريا. وأشارت إلى أن أوضح حالات رفض الآخر تجلت خلال مؤتمر بيروت النسائي (العام الفائت) حين رفضت المعارضات التحالف مع نساء الداخل السوري، لمجرد أنهن يستطعن الدخول إلى الأراضي السورية والخروج منها. وتتابع قولها: «يحاول مكتب دي مستورا التركيز على لقاء نساء من الداخل السوري، بهدف الوصول إلى الصوت النسوي السوري، ما يمكن المجلس الاستشاري النسائي من إيصال صوت النساء السوريات إلى المحافل الدولية». ولا يخفى هدف غانم من اللقاءات المتكررة مع نساء من الداخل السوري، إذ تسعى إلى «خلق كتلة نسائية غير مبنية على إرادة قوى خارجية»، على حد تعبيرها. وترى لدى النساء المشاركات اقتناعاً بأن «مرحلة الصراع العسكري شارفت على الانتهاء، ما يعني بدء صراع سياسي لتأسيس حياة سياسية جديدة».
من جانبها، أكدت الناشطة الإسلامية أسماء كفتارو، مؤسسة «منتدى سوريا الإسلامي»، وإحدى إعضاء المجلس الاستشاري النسائي للمبعوث الأممي أيضاً، ضرورة العمل مع نساء الداخل، إذ إن «المقيمين في الخارج يتوهمون ويحلمون ولا يعرفون ماذا تحتاج إليه البلاد وما الذي تعانيه». وتعلّق على مقاطعة عدد من معارضات الخارج للورش بسخرية قائلة: «هناك معارضون يعتقدون بأن كل من يأتي من داخل دمشق هو مخابرات. إنهم يمارسون معارضة للموالاة وليس للسلطة. لا معارضات يقدمن نقداً سياسياً وبدائل. ولا يمكن إغفال ضرورة التكاتف لتجسيد الرؤية التي تستحقها سوريا». ميسّر الجلسات الدكتور هشام الخياط ذكر في حديث إلى «الأخبار» أنه على الرغم من تكوين فهم مشترك لدى المشاركات حول بعض القضايا، غير أن «أياماً قليلة غير كافية لخلق قيادات سياسية، ولا سيما أن جزءاً كبيراً من المشاركات لديهنّ خبرة في العمل المدني، إنما بعيدات عن العمل السياسي». ويتمنى الخياط انتقال العمل على هذه الورش والاجتماعات إلى داخل سوريا وليس إلى خارج الحدود، لصعوبات السفر والتنقل على المشاركات.