لم يكلّف النظام في البحرين نفسه التمعّن في صفحة الآثار والتداعيات. على مدى يوم أول من أمس، اختار أن يبقى صامتاً مثل وحش غادر، فأوكل إلى الأذرع التابعة له مهمة التلويح بحلول موعد إطلاق الرصاص على صدور ثلاثة ناشطين محكومين بالإعدام بتهمة تدبير تفجير وقع في شهر آذار/مارس 2014 وأدى إلى مقتل الضابط الإماراتي طارق الشحي، واثنين آخرين من الشرطة، كانوا ثلاثتهم يشاركون في قمع تظاهرة تأبينية لأحد ضحايا القمع، في بلدة الديه شمالي البلاد.
بدا الأمر للوهلة الأولى كأنه محاولة لتفريغ شحنة الفشل المزمن عبر افتعال مبارزة أخرى على «ميدان الحرب النفسية»، وتصويبها نحو نزلاء «سجن جو المركزي» وأهاليهم، عقب نجاح عشرة سجناء في الأول من الشهر الجاري بالهرب من السجن المحصّن بجيوش المرتزقة والأسوار وكاميرات المراقبة.
وكان الظن أنّ الأمر لا يتعدى التلاعب بالناس بعدما أخفقت الأجهزة الأمنية، بخبراتها وبخبرائها البريطانيين، في إعادة القبض على الهاربين، وخاصة أن بينهم السجين رضا الغسرة، المحكوم بالسجن لأكثر من 200 عام، والذي نجح للمرة الرابعة في الهرب، حتى بات يُلقّب بـ«سكوفيلد البحرين». هكذا كان التلقي بداية لحكاية إعدام كلّ من سامي مشيمع (42 عاماً)، عباس السميع (27 عاماً)، وعلي السنكيس (21 عاماً). لكن الأمور أخذت بعد ساعات قليلة مجرى آخر.
في بداية يوم السبت، تلقّت عوائل المحكومين بالإعدام اتصالاً من وحدة الشؤون القانونية في «سجن جو»، وطُلب منهم الحضور للقاء أبنائهم، في زيارة «غير مجدولة». الزيارة العائلية التي يترقبها في العادة الأهل والسجناء، تحوّلت هذه المرة إلى «موعد للمأساة» كما يقول والد عباس السميع. فالزيارات لا تُعقد يوم السبت (يوم الإجازة الرسمية)، والجهة المختصة بإبلاغ المواعيد ليست الوحدة القانونية في السجن.
وفي وقت لاحق، أكد تواصل الأهالي مع المحامين أنّ «الاحتمال الأسوأ، الوحيد» هو الذي يطرق الأبواب. ويشرح أحد المحامين أنّ «الأمر كان واضحاً منذ أن أعلنت محكمة التمييز في التاسع من الشهر الجاري حكمها النهائي القاضي بتثبيت حكم الإعدام، بعدما كانت قد رفضت حكم الاستئناف».
وبينما كان تنفيذ حكم الإعدام معلّقاً بتوقيع ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، عقب صدور قرار محكمة التمييز، فإنّ سلسلة الأحداث دفعت بالمحامين إلى الجزم بأن «التدخل السياسي» كان يحرّك مجرى الأمور، وأن آل خليفة كانوا مدفوعين إلى توريط أنفسهم نزولاً عند ضغوط حكام دولة الإمارات، آل نهيان، الذين كانوا يصرّون على تنفيذ حكم الإعدام.

تسلّمت المعارضة
زمام الأمور فدعت إلى
النفير العام والتظاهر

ومع انكشاف خيوط الجريمة، ظهر يوم السبت، بادرت قوى المعارضة البحرينية إلى تسلّم زمام الأمور، فدعت إلى النفير العام وإلى النزول إلى الشوارع، لتشهد مناطق البلاد تظاهرات واحتجاجات واسعة لم تتوقف إلا لتعود بوتيرة أكبر فجر يوم أمس، حين تأكد أن السلطات نفذت جريمة الإعدام. ومع زخات الرصاص الانشطاري الذي كانت تطلقه قوات النظام على المتظاهرين، انتشرت صباح أمس صور الشهداء الثلاثة، وهم في المغتسَل، وقد خرقت جسد كل واحد منهم أربع رصاصات ناحية القلب.
واختار النظام مقبرة بعيدة عن المناطق الساخنة لكي يدفن فيها الشهداء الثلاثة، بعيداً عن غضب المواطنين، لكن لا بد أنّ عناصره سمعوا من الأمهات الثكلى هتافاتهنّ الداعية إلى إسقاط النظام وإلى أن «يسقط حمد»، فيما كنّ محاطات بالقوات المدجّجة بالسلاح، وقد عبّرن بصوت صارخ عن الفخر بأبنائهم الذين «قُتلوا شامخين».
في آخر حديث قبل الإعدام بساعات، أودع الناشطون الثلاثة وصاياهم عند أهاليهم. فكانت الوصية الأساس تأكيدهم أن «المطالب الشعبية بحاجة إلى مزيد من التضحيات»، وقال عباس السميع لأهله إنّ «دماءه ستكون فداءً للوطن، وإن على الشعب ألا يستكين حتى ينال الحقوق كاملة». وأكد الثلاثة مجدداً براءتهم من تهمة قتل الشحي، وأعادوا حكايات التعذيب التي كان هدفها جعلهم يقرّون بما لم يفعلوه.
وأمس، أوضحت مؤسسة «ريبريف» للدفاع عن حقوق الانسان، التي تتخذ من لندن مقراً لها، أنّ عملية الإعدام هي الأولى في البحرين منذ عام 2010، وأول عملية إعدام لبحرينيين منذ عام 1996. وقالت مديرة «ريبريف»، مايا فوا، في بيان، إن الإعدام يمثل «خرقاً مهيناً للقانون الدولي»، مضيفة أن أحكام الإعدام صدرت «استناداً إلى اعترافات انتزعت بالتعذيب».
وفي السياق، أدانت مقرّرة الأمم المتحدة المعنيّة بالإعدام خارج إطار القانون، أنييس كالامارد، عبر حسابها على موقع التواصل «تويتر»، تنفيذ السلطات البحرينيّة الإعدام بحقّ الشبّان الثلاثة، معتبرة أنّ الحكم جاء من «خارج أطر القانون».
وبينما يُحكى أنّ قبيلة الشحي الإماراتية، التي يعود أصلها إلى جبال إمارة رأس الخيمة الوعرة، «كانت تبحث عن الثأر»، فإنّ الأكيد أنّ الدولة الإماراتية حصلت على مبتغاها، لكنها لن تجد في البحرين ما يُتيح لها إقامة «أعراس الانتصار». فالشوارع والمنازل ووجوه البحرينيين اكتست بسواد الحداد، وتكبيرات النفير ضجت من المآذن، والتظاهرات الغاضبة ــ على طول البلاد وعرضها ــ مزّقت مجدداً ظلام التواطؤ والخذلان الذي تآمر على «ثورة اللؤلؤة» منذ سنوات أو يزيد، وكأن «ذكرى الثورة في 14 فبراير» کُتب عليها هذا العام أن تحل قبل شهر من الزمن.




وساطة عراقية مع بن راشد... بلا نتائج


ذكر موقع «مرآة البحرين» أمس، أنّ اتصالات جرت بين شخصيات عراقية سياسية ورئيس الوزراء حاكم دبي محمد بن راشد (الصورة)، يوم السبت، لدفع البحرين نحو وقف تنفيذ حكم الإعدام، إلا أن الأخير رفض.
وقال الموقع إنّ «رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق السيد عمار الحكيم أجرى اتصالاً بمحمد بن راشد (الصورة) طلب فيه التدخل، إلا أن تلك الوساطة لم تفلح»، وهذا ما أكدته مصادر من «المجلس الأعلى» لـ«الأخبار». ونقل الموقع أيضاً عن الصحافي محمد السواد أن «اتصالات أجريت مساء السبت بين السياسي العراقي البارز إياد علاوي ورئيس الوزراء حاكم دبي محمد بن راشد لوقف تنفيذ حكم الإعدام في البحرين، لكن الأخير رفض».
يُذكر أنّ ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد قال، خلال مشاركته عام 2014 في عزاء الضابط الإماراتي طارق الشحي، إنه سيأخذ بـ«الثأر»، فيما كانت وزارة الداخلية قد نعته، قائلة إنه كان يشارك ضمن قوة «أمواج الخليج» المنبثقة عن اتفاقية التعاون الأمني الخليجي المشترك.
ووفق «مرآة البحرين»، فإنّ ابن عم طارق الشحي هو مروان الشحي الذي شارك في هجمات أيلول 2001 في نيويورك، فيما «ابن عمه الآخر هو جاسم الشحي، وقتل في حمص السورية نهاية 2013، وكان من ضمن مسلحي جبهة النصرة».
(الأخبار)