«واشنطن تسعى للتعاون مع روسيا حول سوريا من أجل تحقيق أهداف مشتركة، لكنها في حال فشل هذا التعاون مستعدّة لاتّخاذ خطوات تؤدي إلى إطالة أمد النزاع». بهذا الوضوح والمباشرة اختصر منسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، روبرت مالي، كثيراً من «الاستراتيجيات» الأميركية في ما يخصّ الشّأن السوري. مالي، الذي يشغل أيضاً منصب مساعد الرئيس الأميركي، قال في حديث إلى مجلة «فورين بوليسي» إنّ «واشنطن مستعدة لعمل كل ما بوسعها لكي لا ينجح النظام السوري». ولم ينسَ التّأكيد أن بلاده «لا تخسر شيئاً»، وأضاف: «سنواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية، والنظام لن ينتصر». تبدو تصريحات المسؤول الأميركي صالحةً لشرح مفهوم «الحل السياسي» الذي تتسابق القوى الكبرى باستمرار إلى التذكير بأنّه «الحل الوحيد المتاح للأزمة السوريّة». وخلافاً لما قد يتبادر إلى الأذهان من أنّ الحل السياسي يعني دفع الأطراف السورية إلى التوافق على صيغة تُنهي الحرب الدامية، تُثبت تطورات الملف السوري أنّ الحل العتيد لا يعدو كونه صيغةً توافقية بين القوى الكبرى المنخرطة في هذا الملف، تضمن لكلّ منها «حدّاً أدنى» من مصالحها. أمّا إذا فشل السعي إلى هذه الصيغة، فالبديل الأميركي الجاهز ببساطة هو «إطالة أمد الحرب»، اعتماداً على «نهج» يخلط بين «الأفغنة» و«الصوملة». أمس، أفادت صحيفة «إيزفيستيا» الروسية بأنّ الـ«سي آي إي والبنتاغون لن يسمحا (الرئيس باراك) لأوباما بتسوية الأزمة السورية»، وأنّ «تضارب المصالح (بين مراكز القوى الأميركية) لا يسمح بالتسوية». وسواء صحّ هذا التحليل أو لا، فالثابت أنّ العمل بالشراكة مع موسكو لإيجاد تسوية «سلميّة» للصراع السوري ليس خياراً وحيداً لواشنطن، ولا هو خياراً أوّل (وربّما لا يكون خياراً فعليّاً في واقع الأمر).
الشراكة مع موسكو لإيجاد تسوية «سلميّة» ليست خياراً وحيداً لواشنطن
لا يُعدّ التضارب في «الرؤى» المعلن عنها بين «البنتاغون» والبيت الأبيض في الشأن السوري أمراً جديداً. في آب من عام 2015 كان متحدّث باسم البيت الأبيض يقول لقناة CBS الأميركية إنّ «برنامج البنتاغون لتدريب المعارضة المعتدلة فشل فشلاً ذريعاً». لكن، ماذا كانت نتيجة هذا «الفشل»؟ بعد ذلك التصريح بأشهر قليلة (شباط 2016، وبالتزامن مع فرض اتفاق وقف الأعمال القتاليّة) كانت وزارة الدفاع تلحظُ في ميزانيّتها المُقترحة للعام القادم (2017) أهميّة رصد مبلغ 250 مليون دولار لتمويل «عمليّات طوارئ خلف البحار»، قوامُها «تدريب سوري وتمويل للمعدّات». تركّز الدراسة الماليّة المذكورة على دور محوري لـ«المعارضة السوريّة المفحوصة» (Vetted Syrian Opposition والمعروفة اختصاراً بـVSO)، وتعتبرها «أحد المفاتيح لهزيمة داعش بشكل ناجح». تعود أولى الخطوات العملية الأميركية لخلق أذرع مُسلّحة على الأراضي السوريّة إلى تشرين الأوّل 2013، حيث تمّ «فحص» عشرات المجموعات. وكانت بواكير الدعم الموجّه إلى الفصائل تحت غطاء «المجموعات المفحوصة» السماح للسعوديّة بتوفير صواريخ «تاو» الشهيرة لما يقارب 42 مجموعةً مسلّحة منتشرةً على امتداد الجغرافيا السوريّة بدءاً من شباط 2014، وبإشراف غرفة عمليات «موك» (Military Operation Center) («الأخبار»، العدد 2474). ورغم أنّ «تاو» عرف طريقه إلى أيدي مجموعات «جهاديّة»، لكنّ ذلك لا يبدو رادعاً يحول بين البنتاغون وبين السعي إلى تزويد «VSO» بأسلحة جديدة. وهي تشير في طلب تمويل 2017 إلى أن أحد «المخاطر المحتملة لهذا البرنامج إمكانية استخدام الأسلحة لأهداف غير الأهداف الموضوعة». يحذّر البنتاغون في طلب التمويل من أنّ «مصلحة الولايات المتحدة (تقتضي) تدريب وتجهيز VSO كي لا تخسر سوريا لداعش والقوات الأخرى». ومن دون توضيح ماهية «القوات الأخرى» المقصودة، يبدو مُرجّحاً أنّها تعني الجميع، باستثناء الأذرع الأميركية. أبرز ما يميّز «مشروع VSO» هو «ديناميكيّته» في اختيار المؤهّلين للانضمام إليه، وعدم إغلاقه الباب في وجه أحد. فالتدريب «مصمّمٌ على أساس الخبرة والكفاءة وإمكانات الأفراد وحجم الفرق». وتجدر في هذا السياق الإشارة إلى أنّ معسكرات «جبهة النصرة» وحلفائها في ريفي حلب الجنوبي والغربي كانت في نيسان الماضي مسرحاً لحركة تنقّلات أفضَت إلى مغادرة مئات المقاتلين وحلول آخرينَ محلّهم، ومن دون إقامة اعتبار لتوجّهاتهم «الأيديولوجيّة»، بل ركّزت على «الاختصاصات العسكريّة» («الأخبار»، العدد 2859). يطمح برنامج عام 2017 إلى جعل القوّات المدعومة «قادرةً على الكسب والسيطرة لتصبحَ قوّة شرعيّة مؤثّرة من خلال قدرتها على هزيمة داعش، وفي الوقت نفسه تجنيد سوريين من طوائف وجماعات عرقية مختلفة». وتشير هذه التفاصيل بوضوح إلى أنّ نجاح VSO في هزيمة «داعش» ليس سوى خطوة أولى من شأنها أن تمنح القوّات «الشرعيّة» المطلوبة للعمل على «إعادة تمكين الأمن في سوريا ودعم الدفاع عن الولايات المتحدة والأمم الشريكة». أمّا الأمم الشريكة المقصودة فهي بطبيعة الحال تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة في إطار «التحالف الدولي». وتخصّ دراسة البنتاغون بالذكر من بينها تلك المستعدّة لـ«لعب دور حاسم في البرنامج»، حيث «عرضت بعض الدول استضافة ودعم الأنشطة المتعلقة بالتدريب»، مع الإشارة إلى أنّ «التنبّؤ صعب بمدى الدعم بسبب تضارب أهداف الدول واختلافها». أمّا مساهمات «الشركاء» في دعم برنامج التدريب فقوامُها تكفّل قطر والسعودية بـ«معظم تكاليف البنية التحتية»، وتحمّل تركيا والأردن «معظم التكاليف المرتبطة بمواقع التدريب».



أبرز لاعبي VSO الحاليين

شهدت خارطة الفصائل المفحوصة تبدّلات كثيرة على امتداد السنوات السابقة، بفعل تغيّر موازين القوى على الأرض، حيث زالت مجموعات مؤثّرة مثل «حركة حزم»، واختفت «جبهة ثوار سوريا» من الشمال السوري. أمّا أبرز «لاعبيها» في المرحلة الراهنة فهم «جيش سوريا الجديد، حركة نور الدين زنكي، فرقة السلطان مراد، الفرقة 99، اللواء 51، لواء الحمزة، لواء المعتصم، أحرار الشرقيّة، لواء السلطان محمد الفاتح، الفرقة الشمالية»، إضافة إلى مجموعات تابعة لـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» و«جيش الإسلام»، فيما تحظى «قوّات سوريا الديمقراطيّة» بوضع خاص ومختلف جذريّاً عن الـ«VSO».