تعيش المنطقة مرحلة انتقالية باتجاه إعادة إنتاج نظام إقليمي جديد
في البعد الإسرائيلي، المؤكد أنّ الاعلان عن رفع مستوى التنسيق بين طهران وموسكو سيكون حاضراً بقوة لدى صنّاع القرار السياسي والأمني في تل أبيب، وسيكون مدار بحث واسع جداً حول تداعياته وإمكاناته، وما يؤشر اليه من تهديدات مقبلة، فضلاً عن سبل مواجهته والحؤول دونه، في حال كانت القدرة الفعلية موجودة. مع ذلك، من المبكر الحكم على مآلات هذا المسار، بانتظار ردّ فعل الطرف المقابل، الذي من شأنه أن يسرّع من ديناميكيته ويدفع موسكو أكثر نحو طهران، أو أن يفرمل الاندفاعة، في حال التراجع الأميركي أمام روسيا والتسليم بأهدافها في سوريا، وربما أيضاً من خلالها نحو دوائر أكبر. وذلك رغم أنّ واشنطن، كما يبدو، غير مستعدة، وربما غير قادرة، على دفع الثمن الروسي المطلوب... ما يشي بأنّ المنازلة الميدانية في سوريا ستكون أشرس من ذي قبل، وهو موضوع يتطلب معالجة منفصلة.
الكارثة الاستراتيجية من ناحية إسرائيل هي إمكان نجاح التنسيق الروسي ــ الإيراني الحالي، مهما كانت ظروفه وموجباته، نحو بدء مسار لرفع التنسيق الحالي نحو سقوف أعلى، تعزز من مكانة إيران ومنعتها أكثر، وينهي رهانات إسرائيل وحلفائها في «الاعتدال العربي» على كسرها في الاقليم، رغم أن قدراتها الذاتية (إيران) أثبتت نجاعتها الدفاعية في المراحل السابقة. فدلالات انحياز روسيا السلبية باتجاه إيران، من ناحية تل أبيب، لا تقتصر فقط على الساحة السورية، رغم أهميتها، بل تتجاوزها نحو الساحة الاقليمية برمتها.
ما تخشاه تل أبيب هو هزيمة الاميركيين وحلفائهم في سوريا، ومنها باتجاه المنطقة. التنسيق الروسي ــ الإيراني، وإمكانات تناميه، يؤشران الى ذلك، خاصة أن الخيارات الأميركية مقلصة. من ناحية تل أبيب، رفع مستوى التنسيق بين الروس والإيرانيين مؤشر جديد يراكم على مؤشرات أخرى سبقت، تؤكد أنّ ما تعيشه المنطقة هو مرحلة انتقالية باتجاه إعادة إنتاج نظام إقليمي جديد، قد يكون رفع التنسيق أحد معالمه، ومظهراً لهويته المقبلة.
أيضاً، تأتي الخطوة الروسية ــ الإيرانية، في حال معاينتها كمحطة وإشارة لمسار تحوّل، بعد «القلق» الذي راود تل أبيب في أعقاب مؤشرات على مزيد من التقارب التركي ــ الإيراني في مرحلة ما بعد محاولة الانقلاب الفاشل، التي يخشى صانع القرار في تل أبيب أن تتسبب في انكفاء تركي، ولو بقدر، نحو الداخل على حساب المواجهة التي تشكل أنقرة نقطة ارتكاز أساسية فيها، ضد محور المقاومة في سوريا والمنطقة.
لكن هل لدى إسرائيل القدرة على مواجهة هذا المسار؟ لا يبدو أن لديها القدرة على المواجهة والحؤول دون التهديدات، رغم كل الدوافع والحوافز والمصالح. إسرائيل مجبرة على مواصلة اتباع سياستها الحالية في مقابل الروس، المبنية بشكل أساسي على إدراك محدودية خياراتها وقدرتها على التأثير، وربما أيضاً انعدامها، الأمر الذي يدفعها الى التسليم الجبري بكل ما تقدم عليه موسكو تحقيقاً لمصالحها.