قبل ثلاثة أشهر كان مسؤول سوري رفيع يشرح السياسات العدوانية لبعض دول الجوار، مستفيضاً بالتحديد في تفنيد الطعنات والنفاق الأردني الرسمي. بعد انتهائه قال المسؤول: لم تسألوني عن العراق. الحضور الإيراني الكبير في بغداد وضع الأخيرة في محور واحد مع دمشق في ظنّ القريبين والبعيدين، لكنّ الواقع مختلف. كاد الدبلوماسي يشبّه الدولة الجارة، التي تقاتل العدو نفسه، بسويسرا من حيث الحياد تجاه التنسيق مع بلاده. برودة عالية في العلاقة منذ تسلّم حيدر العبادي رئاسة الوزراء العراقية، اتّسمت بها العلاقة. «داعش» الذي أعلن «كسر الحدود» لم يحرّك طائرة العبادي نحو دمشق. «هواه الغربي» منعه، يروي متابعون. حتى أمس، كانت العلاقة غير ناضجة.
عند اجتياح الموصل، وتمدّد «داعش» في مناطق عراقية عدة، كان طيارون سوريون يحلقون لمسافة 400 كلم أحياناً لقصف مراكز التنظيم الإرهابي. لم تكن واشنطن حينها قد شكّلت تحالفها الجوّي. هذا «التحالف» الذي فشل في منع سقوط الرمادي، كان يضع الشروط على مشاركة «الحشد» في عمليات تحرير مناطق مختلفة.
الفتور في العلاقة العراقية ــ السورية ظهر على نحو واضح في كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره الأرمني إدوارد نالبانديان في دمشق قبل أيام: «نحن نؤمن بأننا نواجه عدواً مشتركاً، ونؤمن بأننا والأشقاء في بغداد نقف في خندق واحد، لكن لم يصل التنسيق بيننا إلى هذا المستوى من الخطر الذي يواجهنا... إنّ البلدين أدركا ضرورة أن يقاتلا معاً».
اليوم اليد العراقية سوف تمتدّ إلى الحليف السوري، لكن من الجسم الوليد الذي أخذ على عاتقه تحرير المدن العراقية المحتلة في ظلّ ترهل الجيش العراقي المتأثر بتداعيات الغزو الأميركي. وضع العراق الأمني المتدهور والضغوط المتنامية على قوات «الحشد» وقيادته لن تمنع اختلافاً في الرؤية عن المرحلة السابقة. اليوم لدى الفصائل العراقية ما يشبه القيادة المركزية، ومرجعية سياسية واضحة لهذه القوة التي شارك معظمها في قتال قوات الاحتلال الأميركي.
هؤلاء اليوم يعون أكثر خطورة الوضع في سوريا، رغم أنّهم خَبِروا قوة التكفريين وخطورتهم منذ عام 2006 وسنين تلت، لكن تلك الخطورة كانت حينها على شكل تفجيرات وعمليات انتحارية.
الوعي حول وحدة المعركة أصبح واضحاً على اللسان والخرائط والخطط. الأمين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، في ختام إعلانه إطلاق عمليات الأنبار، أجاب مبتسماً عن سؤال «أين تنتهي العمليات»، قائلاً: «إنشاء الله لن تنتهي».

طيارون سوريون
حلقوا لمسافة 400 كلم لقصف مراكز «داعش»، في العراق

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإعلان «الخلافة»، كان الحضور العراقي في سوريا الذي بلغ عدده في الذروة بضع مئات في المراحل الأولى من الأزمة، قد انكفأ بنحو شبه كامل، في ضوء انتقال الأولوية الميدانية للفصائل العراقية إلى الداخل العراقي بعد سقوط الموصل.
لكن، مع تعاظم الخطر «الداعشي» على طول الحدود المشتركة، إضافة إلى مساحات شاسعة من البادية السورية، وصولاً إلى سيطرته قبل أيام على معبري التنف (السوري) والوليد (العراقي)، كان هناك من يطلب «الاستعجال» في توحيد الجبهات.
بالتوازي، كان شقيق «داعش» في المنهج يواصل تمدده في محافظة إدلب. فتنظيم «القاعدة» بفرعه السوري وصل أريحا وما بعدها، أي اقترب الخطر من اللاذقية والمنطقة الوسطى (حماه وحمص). قطار «الخطة ب»، القديمة الجديدة، وضع على السكة. محور واحد سيقاتل ضد محور واحد في ساحات مختلفة، بدءاً بآلاف العناصر من «الحشد الشعبي» من التنظيمات الكبيرة التي ستصل سوريا تباعاً، مع تطور فعلي في حجم الحضور العسكري والاستشاري لحزب الله.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قال في اجتماعات داخلية قبل ايام، «إنّ الوقائع القائمة في اليمن والعراق ولبنان لا تقلق المقاومة ابداً، ولكن هناك صعوبات حقيقية في سوريا»، مضيفاً أنّ «محور المقاومة يأخذ الأمور بجدية ويدرك ضرورة التحرك في سوريا قريباً». كذلك أكد أن قرار الحزب بتوسيع دائرة حضوره وانتشاره هناك يأتي ضمن هذا السياق، «وأنّ المعركة قاسية وسوف تتطلب حضوراً أكبر وتضحيات أكثر».
خسارة أريحا فتحت الباب أيضاً للحديث عن عملية لتنظيم «القاعدة» في حلفائه في أرياف حلب المتصلة بنقاط تماس مع الجيش السوري، ومن داخل مدينة حلب أيضاً .
المنظّر «القاعدي» المصاب في معركة جسر الشغور عبدالله محيسني، ظهر في أحد مساجد مدينة الأتارب في ريف حلب، يوم الجمعة، داعياً إلى التطوع في صفوف «جيش الفتح»، متوعّداً «النظام وجيشه ومرتزقته في رمضان».
لكن مسار الجيش وحلفائه في حلب يدعو إلى «وقفة» مختلفة عن أحداث محافظة ادلب بالنسبة إلى مسلحي «غرفة عمليات جيش الفتح»، حيث أثبتت الأسابيع السابقة فشل المعارضة في تحقيق أي مكسب على جبهات «الشهباء»، كذلك إنّ الموقع الدفاعي للجيش في المدينة ومحيطها هو بمثابة قرار، وقد يعيد تحريك حشوده وعرباته العسكرية في أي لحظة.
الحضور الجديد على الجبهات السورية وضع جزءاً من «أرضيته»، أول من أمس، زيارة قائد إيراني كبير في «الحرس الثوري» بالتنسيق مع قيادة الجيش السوري لسهل الغاب في ريف حماه. وتفيد «المعلومات» بأنّه إذا احتاج السوريون لعديد إضافي، ففصائل «الحشد» مستعدة لذلك.

إدارة سوريا مختلفة

وعلى الضفة السورية، تعمل قيادة الجيش على تفعيل دور الحرس الجمهوري، عبر تطويع عدد كبير ضمن صفوفه من مناطق متعددة لا تقتصر على الساحل. والاجتماعات التنسيقية بين جميع المعنيين على الأرض بالوضع الميداني قائمة، يتناول الحديث تشكيلات عسكرية وأمنية جديدة، وبرامج رعاية وتدريب للجنود بطريقة مختلفة، بالإضافة إلى أنّ الوجهة ستكون هجومية لا دفاعية كما روّج كثيرون، من بينهم مقربون من الدولة السورية. الحشد السوري، إضافة إلى قوة «الإسناد» الجديدة تعد العدّة لوضع حد للخسائر المتواصلة، والعمل نحو إدارة مختلفة وإعادة التعبئة التخطيط لعمليات معاكسة ستكون قريبة.