«طرق الموت» تتبدّل: من تركيا إلى شمال أفريقيا؟
يبدو الاستياء واضحاً في مدينة زوارة الليبية التي كانت تمثّل حتى فترة قريبة إحدى أهم نقاط انطلاق "مراكب الموت" باتجاه الشواطئ الأوروبية. وتعود أسباب الاستياء إلى واقع وصول عدد كبير من جثث اللاجئين إلى شواطئ المدينة، في الوقت الذي نجحت فيه زوارة من الحد من عمليات "تجار البشر".
في حديث إلى "الأخبار"، يشرح المسؤول المحلي، فتحي بن خليفة، أنّ "زوارة نجحت، منذ أواخر 2015، وبمجهود أبنائها حصراً، في الحد من تدافع الهجرة غير الشرعية من شواطئها باتجاه الشواطئ الإيطالية القريبة". بينما يوضح مسؤول آخر أنّ "نجاح الحد من الهجرة غير الشرعية كان جلياً منذ تولي جهاز مكافحة الجريمة في زوارة الملف "، وهو الجهاز الذي يرفض الإدلاء بأي تصريح بشأن التطورات الأخيرة.
تمثّل مسألة اللاجئين أحد مبررات التدخل الغربي في الأزمة الليبية

وبرغم العثور على نحو 130 جثة عند شواطئ زوارة منذ يوم الخميس الماضي، فإنها ليست المرة الأولى التي تُعاني فيها المدينة بفعل غرق "مراكب الموت" في المتوسط. في نهاية الشهر الماضي أكد المتحدث باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويليم سبندلر، أنّ "عدد القتلى جراء غرق ثلاث مراكب (قبل أيام) ارتفع إلى 880 قتيلاً". وكان قد تعذر على المتحدث باسم البحرية الليبية، العقيد أيوب قاسم، تحديد ما إذا كانت الجثث (التي وصلت شواطئ زوارة يوم الخميس) مصدرها أحد المراكب الثلاثة.
كذلك، من غير المؤكد بعد نقطة الانطلاق التي تعتمدها تلك المراكب، فبينما أشارت السلطات الإيطالية قبل أيام إلى نقطة قريبة من الإسكندرية في مصر، فإنّ غرفة عمليات زوارة لفتت إلى أنّ بعض "الناجين أشاروا إلى أن رحلاتهم انطلقت من مدينة صبراته الليبية".
ولعلّ مأساة اللاجئين لن تتوقف في المدى المنظور لغياب سياسات جدية، ونظراً إلى أنه يبدو أنّ من بين تداعيات دخول الاتفاق الأخير بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في شهر آذار/مارس الماضي، انتقال ثقل موجات المهاجرين من طريق تركيا ــ اليونان، نحو طرق شمال أفريقيا المؤدية إلى الشواطئ الأوروبية. وكانت وكالة "فرانس برس" قد أشارت إلى هذا الأمر قبل أيام، حين رجحت أنّ "مهربي المهاجرين" بدأوا يتخذون طرقات جديدة "لتفادي دوريات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في منطقة تقع إلى الشمال الشرقي بين السواحل التركية والسواحل اليونانية القريبة". وجدير بالذكر، أنّ مسألة ضبط الحدود البحرية الليبية بهدف الحد من عبور اللاجئين، تمثّل حالياً نقطة حاسمة لتبرير أي تدخل غربي غير مباشر في الأزمة الليبية.
وبخصوص التطورات الأخيرة، يشرح المتحدث باسم غرفة عمليات زوارة الأمنية، حافظ معمر، لـ"الأخبار"، أنّ "غالبية الجثث كانت من جنسيات أفريقية، وقد جرفها التيار المائي إلى قبالة شواطئ المدينة"، مضيفاً أنّ "المعلومات الأكيدة التي لدينا تفيد بأن المركب انطلق من شرق زوارة، وهذا الاعتقاد واقعي لأنه إذا كان المركب قد انطلق من المدينة، فإنّ الجثث كانت ستظهر غرباً، أي قبالة أبي كماش أو رأس اجدير".
من جهة أخرى، يقول المتحدث باسم "جمعية الهلال الأحمر ــ زوارة"، إبراهيم العطوشي، إنّ إحصاء "130 جثة خلال يومين أو ثلاثة أيام ليس بالأمر البسيط، وخصوصاً أنّ العدد قابل للزيادة". ويضيف، خلال الحديث لـ"الأخبار"، أنّ "غالبية الجثث كانت لأطفال ونساء... ونحن نعمل على نقلها قبل أن تتحلل على الشاطئ بفعل أشعة الشمس والعوامل الأخرى"، مبدياً في الوقت نفسه استغرابه "لغياب المنظمات الدولية وعدم تقديمها يد العون بالرغم من الزيارات المتكررة... لم نرَ منها إلا الوعود".
وفي ما قد يبدو انعكاساً لحال الحزن والاحتقان الذي يخيّم على زوارة، يقول الناشط المدني في المدينة طارق المنصوري، لـ"الأخبار": "أولاً، إنّ موت هؤلاء البشر بهذه الوحشية جريمة ضد الإنسانية، ولا بد من وقفة دولية جادة. ثانياً، بقدر ما يُؤلمنا، نحن أهالي المدينة، ما يحصل، بقدر ما نفقد الطمأنينة بسبب ارتفاع مخاطر انتشار الأمراض والاوبئة، ولذلك نُطالب كل الجهات المسؤولة بأن تقوم بواجبها". كذلك، عبّرت بلدية المدينة، في بيان شديد اللهجة، عن خشيتها من تداعيات ما تشهده شواطئ زوارة.