يوحي خبر توقيع المدير العام لـ«الصندوق القومي الفلسطيني»، التابع لـ«منظمة التحرير»، رمزي خوري، عقدا لبناء «مجمع كبير لسفارة دولة فلسطين لدى القاهرة»، بأن الأشغال هناك تناطح بعضها بعضا. العقد جرى توقيعه في منتصف شباط الماضي، ويقضي بإنشاء مبنى على مساحة 5790 مترا مربعا في ضاحية التجمع الخامس شرق القاهرة، وهو نتيجة طلب قدم سابقا في تموز 2011، حينما طلب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي من نظيره المصري، آنذاك، تخصيص قطعة أرض للسفارة.هذا العقد حازت مناقصته شركة «كونتريد» المصرية، على أن تنتهي من هذا المبنى خلال عامين من تاريخ توقيع العقد. والمفارقة أن الشركة نفسها كانت قد فازت بمناقصة مشابهة لبناء مبنى جديد للسفارة الفلسطينية مجاور للمبنى القديم حاليا، وهي شارفت على الانتهاء منه، علما بأنه مكوّن من عدة أدوار ومجاور لمبنى المندوبية الدائمة ويقابل السفارة القديمة. وهذا ما يثير التساؤل عن قرب انتهاء «كونتريد» من تسليم المبنى المجاور للسفارة بالتزامن مع فوزها بعقد جديد لبناء مبنى آخر. وهاتان المنشأتان الحاليتان تقعان في منطقة الدقي: الأول (القديم) يتكون من طابقين وطابق أرضي، والثاني من أربعة طوابق وكراج أرضي، مضافا إليهما «مبنى الملحقية الدائمة»، وهو مكون من طابقين وطابق أرضي، ويحوي المكتبة والمركز الإعلامي للسفارة.
لا شك أن سفارة السلطة لدى القاهرة تعد رأس حربة في الدبلوماسية الفلسطينية عموما، وفي المنطقة العربية خاصة، ولكن الشروع في بناء مبنى جديد في موقع جديد قبل استلام المبنى الجديد ـ الآخر الذي شارف على الانتهاء، كما أن تصادف وقوع المبنى الجديد في ضواحي منطقة التجمع الخامس، إن لم يحمل أي شبهة فساد، فإنه يدل أقل شيء على سوء تخطيط أو تسرع في القرار، وخاصة لمن يعرف طبيعة المكان الجديد وصعوبة الوصول إليه انطلاقا من التجمعات الفلسطينية. كذلك، هل تفضي هذه المباني الجديدة إلى تحسين أداء السفارة، على الأقل تجاه الفئات المستهدفة من طلبة وجالية ولاجئين؟
دبلوماسيا، السفارة الفلسطينية في مصر هي خارج حسابات السياسة الخارجية أو العلاقات المصرية ــ الفلسطينية، وفي أفضل الأحوال لا يتعدى دورها المشاركة في مهرجان ثقافي أو إحياء مناسبة، وأخيراً ألبست دور إعلان مواعيد الفتح الجزئي لمعبر رفح المغلق مع غزة، ثم ما لبثت أن عادت إلى الغياب عن هذا الدور، بعدما انتهت «فزّاعة محمد دحلان» وقصة توسطه في فتح المعبر.
الاستدلال على هذا الحكم يأتي عبر الإحداثات التالية: غياب السفارة نهائيا عن حوارات المصالحة المتعددة التي شهدتها القاهرة، بل دخلت على خط الانقسام في ما عرف بالوثائق والتقارير المسرّبة بين رام الله وغزة وكشف «مخطط الإساءة لحركة حماس عبر تمرير معلومات للإعلام المصري واستغلال بعض الأحداث في تشويه الصورة وتمرير رواية مغايرة»، كما ورد في وثائق نشرتها مواقع محلية، ثم دخلت على خط الصراع الدائر بين الرئيس محمود عباس والنائب محمد دحلان، ومن تداعيات الحدث الأخير الاعتداء بالضرب في نيسان من العام الماضي على أحد طلبة الدراسات العليا (عبد المعطي مبروك) على يد أمن السفارة.
وفي الأسبوع التالي اقتحم أمن السفارة «خيمة الاحتفال باليوم الثقافي» المخصص لطلبة فلسطين في جامعة عين شمس، واعتدوا بالضرب على طالب آخر من غزة اسمه أحمد النجار، الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاجرة أدت إلى إلغاء إدارة الجامعة «خيمة فلسطين» من الاحتفال ومنعها من المشاركة طوال خمس سنوات مقبلة.
أربعة مبان واحد قيد الإنشاء واثنان قديمان والأخير على 4 دونمات

قبل ذلك، ألغيت مناسبة فلسطينية في «معهد البحوث والدراسات العربية»، بعدما حدث تداخل وتضارب بين الطلبة في غياب واضح للسفارة، ما أجبر إدارة المعهد على إلغاء الاحتفالية.
إحداثية ثالثة تلاشى دور السفارة فيها هي قضية معبر رفح، حتى في الاستعلام عن مواعيد فتحه وإغلاقه. وقضية رابعة، هي إخفاق السفارة في إدخال طلبة الجامعات من غزة إلى مصر، وضياع سنة كاملة على عدد كبير منهم. ولم تفعل سوى أن قدمت إليهم تنبيها عبر موقعها في كانون الأول الماضي، قالت فيه: «تعرب سفارة دولة فلسطين في القاهرة عن تقديرها لأبنائنا الطلاب الفلسطينيين المقبولين في الجامعات والمعاهد بجمهورية مصر العربية الشقيقة لعام 2015/2016... وتود أن تطمئن الطلاب، الذين لم يتمكنوا من اﻻلتحاق بمقاعدهم الدراسية لسبب أو آخر، إلى إمكانية اﻻحتفاظ بهذه المقاعد».
والمشكلة الأكبر أن هذه السفارة لا تعلن أسماء الطلبة المرشحين للمنح، ولا شروط المنح وخاصة للدراسات العليا. وعند اقتراب انتهاء الفصل الأول يعلو الهمس عن أن فلانا حصل على منحة دراسية كاملة من «سفارة القاهرة»، والمطلوب منه ألا يعلن ذلك. ولاحقا، يظهر أن أغلب المستفيدين هم موظفون ومقربون من مسؤولين ورجال أعمال، فتحصل السفارة على مساعدات ومنح ودعم من هؤلاء لصرفها في المقابل على أبناء رجال الأعمال. حتى عندما توقف توظيف أبناء غزة رسميا في وظائف حكومية عقب الانقسام لم يطاول ذلك جدول توظيفات السفارة لدى القاهرة، التي كانت تستجلب موظفين غزيين إليها لأسباب تتعلق بالمحسوبية.
وبينما تقول وزارة الخارجية إن من مهمات السفارات توفير قاعدة بيانات للاجئين والجالية في أي دولة، لا تتوافر لدى «سفارة القاهرة» أي قاعدة بيانات، بدليل أنه عندما أغلق معبر رفح عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي، تكرّمت السفارة الفلسطينية بتوزيع مساعدات على العالقين، لكنها كانت تعطي الشخص الواحد أكثر من مساعدة في اليوم الواحد وكذلك الأمر في الأيام التالية، في ظل فوضى كبيرة.
أكثر من ذلك، فحينما تحصل وسيلة إعلام فلسطينية على كتاب رسمي من السفارة في القاهرة لتسهيل مهمات عملها في مصر، وعندما ينتهي هذا الكتاب وتعود لتحديثه يوافق السفير على تجديد الكتاب ويؤشر على الكتاب القديم بعبارة «عمل اللازم»، فيرفض الموظف أو مدير المركز الإعلامي تجديد الكتاب بطريقة ملتوية. وهكذا يستمر الحال لأكثر من شهر ونصف شهر، لتكون الإجابة الفاصلة بأنه لا يمكن للسفارة أن تجدد الكتاب مرة أخرى، ضمن الحالة البيروقراطية في العمل.
أخيرا، فإن في مصر أكثر من عشرة آلاف طالب فلسطيني بعضهم لم يفكر في زيارة واحدة للسفارة لأن هناك صورة نمطية لديهم تقول إن السفارة لم تفلح في تسهيل حصول أي طالب على الإقامة الخاصة بطلبة الدراسات العليا في «معهد البحوث والدراسات»، ولا حتى على الموافقة الأمنية لطلبة الدراسات العليا في الجامعات الحكومية، فضلا عن أنها لا تتدخل لدى المصريين في أي مشكلة قد يقع فيها أحدهم، وحتى حينما يمنع طالب عن الخروج من معبر رفح.